بقلم :رشاد أبوشاور
عندما استحوذت حماس على السلطة في قطاع غزّة، لجأت لاستخدام العنف غير المسبوق بهذه الضراوة فلسطينيّا- مع عدم تناسي بطش أجهزة أمن السلطة بأعضاء حماس، وغيرها من الفصائل، ولا سيّما الجهاد الإسلامي، والتي كان كثيرون في فتح يتنصلون منها، وكنّا في مقدمة من فضحوها، وأدانوها- وبطشت بألوف المنتسبين لأجهزة السلطة، وكثير منهم تربّوا في جيش التحرير الفلسطيني، وقاتل بعضهم ببطولة في معركة بيروت 82 قبل أن تظهر حماس على الساحة بأعوام طويلة!
عندما رأيت أحد الشباب على فضائية فلسطين، وهو يعرض ساقيه المبتورتين برصاص أعضاء ( كتائب القسّام)، لم اصدّق ما أرى، رغم دقّة رواية الشاب، ولكن الرواية تكررت بألسنة كثيرين من ضحايا حماس (المجاهدة)، وبروايات شهود عيان صادقين، وهو ما لم تستطع أن تنكره قيادة حماس، وتهربت من تحمّل وزره بردّه إلى أخطاء فرديّة في ( الميدان).. ميدان الحرب على السلطة!
لقد راجت ( طرفة) سوداء حقيقيّة عن حوار مع الدكتور محمود الزهّار، فقد سأله أحدهم مستنكرا: كيف تطلقون الرصاص على أرجل شباب تختلفون معهم يا دكتور؟ فكان أن أجاب ببراءة: وأين تقترحون أن نطلق عليهم الرصاص؟!
ذكرتني هذه الطرفة بجواب رئيس المحكمة الثورية التي تشكلت بعد انتصار آية الله الخميني، والذي أصدر 600 حكم إعدام، فضجت الناس من عسفه، وسرعة إصداره الأحكام بالإعدام، فأقيل من منصبه، وذات يوم توجه إليه صحفي بالسؤال: يا مولانا ألست نادما على إصدارك 600 حكم إعدام في غضون أيّام؟ بكى آية الله حتى اخضلت لحيته، وأجاب: بل أنا نادم لأنني لم أعدم 600 آخرين كنت في سبيلي لحكمهم.. يا بني!
حماس لن تندم، لماذا؟ لأنها فازت بالاستئثار والإنفراد ( بحكم) غزّة، وهي ماضية في بسط هيمنتها على مليون ونصف مليون لا تستشيرهم في حكمها، فلا انتخابات، ولا رأي لأحد، ولا مشورة، فالجميع علمانيون كفرة.. وهذا هو الحكم على كل من يخالفها الرأي، حتى لو كان يخالفها من موقع إسلامي كالجهاد، وحزب التحرير، وأي مسلم مستقل الرأي والاجتهاد!
في صبيحة الجمعة 6 آب الجاري، أُتحفنا بخبر من غزّة عن الصحفي أحمد فيّاض الذي صادرت حماس كاميرته، وتناوب المجاهدون - كما روى بنفسه - على ضربه وبهدلته والتنكيل به، لأنه كان ينقل وقائع ما جرى من فوضى في حفل (فرقة طيور الجنّة الإنشاديّة) في المدينة الرياضيّة بخان يونس، حيث تتسع لثلاثة آلاف، بينما المشرفون يحاولون حشر 10 آلاف في مكان ضاق بهم، وحرم كثيرين من الدخول، رغم أن ثمن البطاقة 10 شيكل.. فكم ستدفع أسرة لديها 5 أطفال، خاصة والناس هناك يشكون الفاقة، رغم وجود الأنفاق التي تدر على حكومة حماس ما تدر من ملايين الشواكل، والتي تُزلق عبرها الثلاجات، والسيارات، وكل ما لذ وطاب لمن يملكون، و( للمؤمنين) الحلويين، ولكن ليس لأبناء السبيل الصامدين الصابرين من الفلسطينيين!
كعادتي صبيحة كل يوم، دخلت إلى موقع القدس العربي على الإنترنت لأتصفحها، فقرأت خبرا عجيبا عن (مجاهد) من سرايا القدس (الجهاد الإسلامي)، بعد مشاجرة سويّت بتسليم الجهادي لأجهزة حماس الأمنيّة، و.. لتفاجأ الجهاد صبيحة اليوم التالي بوجوده في المستشفى، وقد أطلقت النار على قدميه!..طبعا كان هذا عقابا حمساويا له، رغم أنه يخرجه من ( المعركة) مع العدو الصهيوني.. ولكن يبدو أن قيادات حماس وبعد أن استقّر لها التحكّم في قطاع غزّة ما عادت تفكّر في المعركة مع العدو، رغم تصريحات قادتها عن متابعة المقاومة!
هناك احتقان دائم وقديم بين الجهاد - التي بدأت جهادها قبل ظهور حماس بسنوات، بقيادة الدكتور المؤسس فتحي الشقاقي - وحماس، فالحركتان إسلاميتان، وهما من أصول إخوانية، وإن كانت الجهاد قد ابتعدت عن تلك الجذور، واختارت خطابا منفتحا متسامحا، وإن بقيت إسلامية، وحافظت على خطها المقاوم، ورفضت كل أشكال ومبررات الاقتتال الداخلي، والانشغال بالصراع على السلطة، لا بانتخابات، ولا بغيرها.
ذات يوم سمعت أحد ابرز قادة الجهاد يقول: نحن وحماس ننتمي لإيديولوجيا واحدة، مع الاختلاف في التفسير، والاجتهاد، والرؤية.. ونحن لسنا السلطة لنسمح لحماس ومقاتليها أن يكتسحوا مواقعنا ببساطة وسهولة، فنحن وإيّاهم سنقتتل بضراوة حتى ينهي طرف منّا الآخر، وهذا ما لا نريده، ونتجنبه، ونقدم التنازلات لدحره بعيدا، حفاظا على قضيتنا، وعلى وحدة شعبنا.
سمعت كثيرا عن تجاوزات حماس على الجهاد، ويشهد الله أنها مروّعة، وبخاصة مع من يتوجهون للاشتباك مع دوريات العدو التي تنشط حول القطاع، ناهيك عن الاحتكاكات مع ناشطي الجهاد في مدن وبلدات ومخيمات القطاع، وتابعت الدور الذي تلعبه قيادة الجهاد داخل القطاع، وفي الخارج لتخفيف التوترات بين حماس وبقيّة الفصائل، ومع ذلك فحماس لا ( تبلع) وجود وانتشار الجهاد وترتاح لما تتمتع به من احترام كونها نأت بنفسها عن الصراعات، وواصلت خيارها المقاوم.
عندما تقترف حماس هكذا أخطاء، فهي خطايا، وليس مجرّد غلطات صغيرة لأشخاص تنفيذيين.
مجاهد يتسلمونه، ويؤتمنون عليه، ف.. يطلقون الرصاص على ساقيه، ثمّ ينقلونه إلى المستشفى.. أي بشر هؤلاء، وأي ثقافة هذه، وأية أخلاق؟!
نحن مع فك الحصار عن القطاع، لأننا مع أهلنا هناك، ومرارا دعونا حماس للتخلّي عن السلطة، والعودة للمقاومة، ولكن قادتها يصرحون بين يوم وآخر أنهم مع ( دولة) في حدود ال67 .. وهنا المشكلة الحمساوية، فهي تهدّيء ( الأجواء) حول القطاع، وهي تطارد بخاصة عناصر الجهاد لأنها ترفض( توريطها) في معركة غير مناسبة راهنا!
بماذا يختلف خطاب حماس عن خطاب السلطة؟! بادعاء المقاومة! وبماذا تختلف ممارساتها؟! بأن أجهزة السلطة في الضفة بناها ويأمرها دايتون، وبأن أجهزة حماس بنتها حماس.. و.. الممارسات واحدة: سلطوية، قمعية، قهرية، استبدادية، متطاولة على الشعب الفلسطيني، ولا قانون يسندها، ويشكّل مرجعية لها، سوى قانون القوّة الآثمة المارقة!
حادثتان داميتان تفصل بينهما ساعات، إهانة صحفي، ومصادرة كاميرته، والتناوب على ضربه، و.. إطلاق الرصاص على قدمي شاب فلسطيني، قدميه اللتين بهما يمشي إلى فلسطين، وعليهما يسير إلى ميدان المعركة.. حدث هذا من قبل، ويحدث اليوم، وسيحدث غدا، ما دام ثمّة جهلة يصرخون: دعني أدخل به الجنّة!
أي جنّة وأنتم والسلطة قد أدخلتم قضيتنا وشعبنا في الجحيم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق