بقلم : خالد حسين بن علي
عدن المدينة الحالمة بالاستقرار والسكينة ، عدن الساكنة في وجدان وضمائر أبنائها قبل أن تسكن ، عدن اسم عريق منذ الأزل وهي القلب النابض والحضن الدافئ لأبنائها ، عدن التاريخ والحضارة والجمال الأسر الأخاذ ، عدن جميلة ومن أجمل مدن العالم ولكن إذا نظرنا إلى إجمالي مساحتها الجغرافية ونقارنها بحجم المساحات الجغرافية للمحافظات الجنوبية سنجد أن مساحة عدن أقل بكثير حيث أن المساحات الجغرافية للمحافظات الجنوبية تضاهي عشرات أمثال مساحة عدن.
أما ماذا عن سكان مدينة عدن ؟
هناك الكثير من يتشدقون وينكرون أصول سكان هذه المدينة بأنهم ليسوا من أصول عدن فنجدهم يتقولون بأن سكان عدن من أصول هندية وصومالية ألا يعلمون بأن تلك كانت مجرد جاليتان جاءت بها الإمبراطورية البريطانية إلى عدن لخدمة وتسيير مصالحها كما أن هاتين الجاليتان لهما لغتان تتحدثان بهما غير اللغة العربية أما سكان عدن فيتحدثون اللغة العربية .
ولا ريب أن سكان عدن متواجدون منذ أن خلق الله هذه الأرض ( عدن ) واستعمروها وعمروها فلم يهبطوا من كوكب أخر في السماء على هذه الأرض فهم يتزوجون ويتناسلون ويتعاقبون جيل وراء جيل مثل كل أبناء ومناطق المحافظات الجنوبية وكل أصقاع الأرض أجمع وهذه سنة الحياة التي فطر الله الناس عليها.
ولكن ينبغي على كل فرد يتحدث عن أصول سكان عدن أن يقف لحظات ويتأمل مليا في معالم مدينة عدن التاريخية الأثرية المتميزة سيرى أن مدينة عدن تحتضن العديد من المعالم التاريخية وأن يعلم متى شيدت هذه المعالم ؟ فهذه المعالم لم تأتي من فراغ ولكل فعل فاعل .
فماذا يعلم الجهلاء والمرجفون عن معالم عدن التاريخية والتي شيدها البناؤون بسواعدهم في هذه الأرض الطيبة ومازالت شامخة ؟.
وماذا يعرفون عن أبواب عدن القديمة وأسوارها ومساجدها العتيقة ** مثل أبان والعيدروس والمنارة والتي كانت تدرس فيها علوم الحديث والقرآن والفقه والنحو .
وماذا يعرفون عن قلعة صيرة ؟ وما معنى كلمة صيرة ؟
وماذا يعرفون عن ميناء عدن القديم ؟ ومن أين تمتد حدوده ؟
وماذا يعرفون عن صهاريج عدن والسدود وقنوات المياة ؟
وماذا عن الأحياء القديمة والحارات وأهمها حارة الزعفران والقطيع وحارة حسين والتي أتى على ذكرها المؤرخ الطيب بن عبد الله با مخرمة في كتابه ( تاريخ ثغر عدن ) وغيرها من المعالم فعدن غنية بمآثرها التاريخية وقد شيدت هذه المآثر بسواعد أبنائها ، ومن المؤرخون الذين تطرقوا وتناولوا تاريخ عدن باستفاضة المؤرخ حمزة لقمان في كتبه ( تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية ) ، ( أساطير من تاريخ اليمن ) ، ( القبائل اليمنية ) والمؤرخ عبد الله محيرز ( صهاريج عدن ) المؤرخ أبن المجاور في كتابه ( تاريخ المستبصر ) المؤرخ الهمداني في كتابه ( صفة جزيرة العرب ) .
عدن الأصالة والتاريخ شهدت معارك دامية خاضها سكان هذه المدينة ضد أنواع القرصنة بدءا بحروب ( إرياط ) مع ذي نواس ألحميري ثم الاستعمار البرتغالي وانتهاء بالإمبراطورية البريطانية بقيادة القبطان( هنس ) لذلك أقول لكل أبناء الجنوب الحر وأبناء الجمهورية العربية اليمنية عودوا إلى رشدكم وأيقظوا ضمائركم وكفوا عن جهلكم وتخلفكم وقيء حديثكم ونظرتكم الضيقة والتي لا تدرك شئ من المعرفة عن تاريخ عدن كما لا تخدم سوى تمزيق وحدة أبناء الجنوب واسعوا لقراءة تاريخ عدن .
وفي موضوعي هذا أستشهد بواقعتان رد أعلى النفوس المريضة والمأزومة .
الواقعة الأولى أذكر من خلال قراءتي أن أحد الرحالة الأسبان قام بالإبحار ورافقته حملة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاكتشاف أغوارها وحين وطئت أقدامه أرض أمريكا كان يتوقع أنه سيجدها خالية من السكان ولكنه تفاجأ عندما وجد هناك سكانا أصليين على هذه الأرض هم الهنود الحمر فأضطر أن يخضع للأمر الواقع وأرغم على التعامل معهم وأن يعترف بهولاء السكان الأصليين وانتمائهم لهذه الأرض بالرغم من تخلفهم وعدم انفتاحهم على حضارات شعوب أخرى .
الواقعة الثانية عن الولايات المتحدة الأمريكية السيد أوباما معروف عنه إنه أمريكي
المولد وإفريقي الأصل ولكن كيف تبوأ منصب رئاسة أمريكا ونظرة المجتمع الأمريكي إليه ؟ .
فالمجتمع الأمريكي مجتمع راق ومتحضر ولم يكثرت بأصول أو جذور أوباما أو لونه مجتمع ينشد الديمقراطية في محيطه وعلى المستوى العالمي والمجتمع الأمريكي ينظر لا وباما من خلال ثقافته وسعة أفقه ومداركه ومؤهلاته السياسية واندماجه وتفاعله في منظمات المجتمع المدني واهتماماته بحقوق الإنسان كان هذا الأمر هو الكفيل الذي جعل أوباما يتبوأ هذا المنصب وطالما هو في نظر المجتمع أمريكي المولد فهو أمريكي الأصل .
وبصفة عامة في القانون المدني في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول سواء أوربية أو عربية كل من ولد في هذا أو ذاك البلد فهو يعد أحد أبناء هذا أو ذاك البلد الذي ولد ونشأ فيه ويتمتع بحقوق المواطنة السوية ويعد من رعايا هذا أو ذاك البلد كما أن المهاجرين والمقيمين لفترة زمنية محددة ووفق شروط القانون المدني يتم منح الجنسية لهولاء المهاجرين .وذلك الأمر من باب الاستدلال .
فتاريخ عدن جزء من تاريخ الجنوب الحر فالجنوب غني بمعالمه التاريخية الأثرية ولكننا بحاجة إلى تناول هذه المعالم التاريخية من باب الإطلاع والدراسة والتحقيق الجنوبي بشكل مستفيض لنكون على يقين ومعرفة تامة بتاريخ وحضارات الجنوب حتى لا يشوه التاريخ من قبل الدخلاء وأصحاب المصالح الانتهازية وليسمو أبناء الجنوب فوق النظرة والعصبيات الضيقة ويكونوا منصفين لأبناء عدن فالجنوب كالبنيان يشد بعضه بعضا .
عدن هذه المدينة التي ظلمت ومورس الظلم في حق أبنائها بشتى أصناف صوره وتجاهلهم منذ عم 1967م ولم يكتف بذلك بل شوه تاريخهم النضالي مما أضطرهم للعيش في الشتات بسبب الظروف القهرية فمنهم من أرغم على مغادرة البلاد إلى دول أخرى ومنهم من قتل وبعضهم لاذوا بالفرار من بطش النظام المتخلف والبحث عن مأوى ومكان أمن إلى دول أخرى ومنهم من أضطر للهجرة الخارجية بعد 1972م حتى الولوج في بداية الألفية الثالثة بسبب الظروف المعيشية الضيقة وأتساع فجوة البطالة خاصة بين صفوف الشباب .
فعدن كانت ولازالت منارة إشعاع حضاري وثقافي وتقدم علمي حيث كان وما برح يؤمها الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية .
وكذلك شمال اليمن وغير ذلك من الجنسيات الأخرى الوافدة إليها فلعدن كان الريادة في مجال دراسة العلوم الحديثة إلى جانب دراسة علوم الحديث والقرآن والفقه النحو في إطار منطقة الجزيرة العربية وذلك كان في عهد الإمبراطورية البريطانية والتي كان لها تأثير بانفتاح عدن واحتكاكها المباشر بالحضارات المختلفة والعديد من الجنسيات الوافدة إلى عدن ذات الأنماط المختلفة وبالأخص الحضارة الهندية وقد أمتد هذا التأثير إلى حياة المجتمع العدني المعاصر كما كان لعدن الإسهام الفاعل في تأسيس حركة معارضة وتنوير ساهمت في التهيئة والإعداد للثورتين سبتمبر وأكتوبر وجلاء الاستعمار .
ولكن إذا فكر أبناء عدن الذين في الشتات العودة إلى وطنهم عدن وخاصة الذين أرغموا على الهجرة بسبب الظروف القهرية التي فرضها عليهم النظام المتخلف والمتسلط إضافة إلى مصادرة أملاكهم من عقارات وغيرها """ فيا ترى أين سيجدون المسكن والإقامة الدائمة المعتادة .
في مساكنهم التي شيدوها في عدن وسلبت منهم بعد أن أجبروا على ترك وطنهم أو سيتم تعويضهم ومنحهم قطع أراضي للبناء عليها وإن منحوا قطع أراضي أين سيكون موقع تلك الأراضي ؟ إذا كان عهد النظام الشمولي شهد تصرفا بأراضي عدن البيضاء فمنها ما شيد عليها بعض المشاريع السكنية وتم صرف أغلب وحدات هذه المشاريع لأبناء المحافظات الجنوبية وبعض الأخوة من الجبهة الوطنية المناهضة للنظام في الجمهورية العربية اليمنية وفق معايير محدده إضافة إلى ما تم صرفة من قطع أراض بيضاء نتيجة تنامي الهجرة الداخلية نحو عدن .
وقبل إعلان دولة الوحدة كانت هناك وعود في ظل النظام الشمولي المتسلط بصرف قطعتين أرض لكل موظف في محافظة عدن مما تبقى من أراض بيضاء في إطار محافظة عدن وتم صرف استمارات لهذا الغرض عبر مكاتب البريد مقابل رسم زهيد ( عشرة شلن ) ولكن تلك الوعود صارت فقاقيع صابون تنتهي في الهواء .
وفي دولة الوحدة ازدادوا الأمر سؤً حيت صنفت ألأراضي البيضاء إلى تصنيفات عدة تحت مسمى تنفيذ مشاريع استثمارية من أجل إحداث تنمية شاملة في مختلف مفاصل الاقتصاد الوطني ،،، فمنها ما خصص لإنشاء منطقة صناعية ومنها ما خصص لإنشاء منطقة حرة بكل مرافقها وخدماتها ولكنها أفرغت من محتواها وحتى هذه اللحظة لم ترى النور .
ومنها خصص لإنشاء مشاريع سكنية للمتاجرة بها وكذلك ما خصص منها لإنشاء مشاريع سياحية ، خدمية ، وزراعية ومنها ما صرف بأوامر كهبات ...... الخ .
ولكن بعد حرب صيف 1994م أخذت قضية الأراضي منحى آخر أكثر ضراوة حينما أنقلب النظام على الوحدة بطغيانه وجبروته وانتهاكه للدستور والقوانين النافدة ومورست في المحافظات الجنوبية كافة وعدن خاصة كل أعمال القرصنة لصالح مستثمرين ومتنفذين على حساب حاجة المواطنين البسطاء والفقراء وأصبحت الحقوق المملوكة بيد متنفذين وانتهازيين من السلطة باسطين بالباطل على الحق العام والخاص واستباحوا الأرض والثروة منذ 1994م وحتى الآن ، علاوة إلى التهميش والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي . وضمن السياق الحقوقي لقضية أراضي عدن وهي العنوان الأبرز لأبناء عدن فمن خلال هذه القضية نرى أن نظام الاحتلال قد منح مستفيدين من أبناء الشمال أراض بيضاء في عدن وصنفوا إلى فئات هم ( المشايخ ، كبار المسئولين ، والمتنفذين ) كما دفع بأبناء الشمال ذات الكثافة السكانية بالنزوح تجاه الجنوب بمئات الآلاف بعد 1994م للإقامة والعيش وبالذات في عدن والغرض في ذلك طمس وإلغاء الهوية الجنوبية وخاصة هوية أبناء عدن ونهب ألأراضي بصورة واسعة بالكيلومترات في الجبال والوديان وحتى الساحل الأمر الذي ترتب عليه حرمان السكان المحليين من الانتفاع بهذه الأراضي ، ومصادرة المنازل حتى جبال عدن لم تنج من البسط والاستيلاء عليها وإن فكر أبناء عدن الذين في الشتات في العودة إلى وطنهم وديارهم أين ستجدون المأوى والشعور با لسكينة والطمأنينة وهدوء النفس وراحة البال ؟
في عدن التي تحمل في نفوسهم جزءا أمن ذكرياتهم وأحلامهم وتشربوا منها كل المعاني السامية والقيم الإنسانية النبيلة والأصيلة أم خارج إطار عدن ،،، بعد أن صارت أراضي عدن ومتنفساها وجبالها حلم أبنائها العاشقين لها في السكن فيها بأيدي حفنة من الدجالين في السلطة ومتنفذين الذين لديهم مصالح وارتباط بالسلطة ولذلك عم الفساد واستشرى في كل مفاصل الدولة ومال ميزان العدل عن مساره القويم وتراجع دور الدولة في حسم القضايا داخل المجتمع وفرضت معطيات غير مألوفة ولا مسبوقة اعترت الحياة المدنية في الجنوب ، مما أدى إلى تدهور الأوضاع وانهيار القيم الأخلاقية والقوانين المدنية المتحضرة ومن أبرز هذه المعطيات التي يمقتها أبناء الجنوب عامة منذ الوحدة بعد قضية نهب الأراضي وطمس الهوية الجنوبية ما يلي :
1- خصخصة مؤسسات الدولة القطاع العام ( الرافد الأهم لاقتصاد الدولة ) .
2- تسريح عشرات ألآلاف من أبناء الجنوب من مدنيين وعسكريين .
3- حرمان الشباب من حقهم في التوظيف .
4- إحياء قضايا الثأر والنعرات القبلية والطائفية والتمييز في المواطنة .
5- الإفراط في استخدام القوة أثناء الاحتجاجات السلمية .
6- مصادرة الحقوق والحريات .
7- نهب واستنزاف الثروات ( نفطية – سمكية ) .
8- تدهور خدمات البنية التحتية ( كهرباء – مياة ) .
9- تدهور القطاع الصحي وانتشار الأمراض والأوبئة والحميات .
10- غياب دور المؤسسات المدنية والأمنية في أوساط المجتمع .
11- تدهور المستويات في قطاع التعليم .
12- فساد جهاز القضاء .
13- القضاء على جيش الجنوب .
كل هذه المعطيات الوارد ذكرها أنفا إفرازات للنظام أسهمت في تردي ألأوضاع المدنية وأصبحت هموما تطبق على كاهل المواطن وتؤرقه إضافة إلى عسكرة الحياة المدنية والتي حولت مدينة عدن وغيرها من مدن الجنوب إلى ثكنات عسكرية جعلت خفافيش الظلام تعشعش في حياة الناس البسطاء وتتاجر وتقامر بحياتهم ، غاب النظام ، غاب العدل وأصبحت السيادة لهولاء الخفافيش وقطاع الطرق ولكن ما بني على باطل فهو باطل والظلم له نهاية والقهر والذل لن يدوم طويلا فلا بد من بزوغ فجر تشعشع فيه شمس الحرية شمس تقهر الظلم وتدمر سلطة النظام الذي أرتكب في حق أبناء الجنوب أبشع الجرائم الإنسانية ذلك النظام الهش المتسلط المفرط في استخدام القوة الذي لا يضع وزنا للقوانين والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان ولا القيم والأعراف الإنسانية ، شمس الأمل الوضاء نحو الغد المشرق المنشود باستعادة دولة الجنوب وانتزاع الحقوق وبناء دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية في ظل ثورة الحراك السلمي . وفي أخير أشكر الدكتور فاروق حمزة رئيس الحراك الجنوبي عدن الذي حمل على كاهله عبئ قضية أبناء عدن والدفاع عن كيانهم وحقوقهم وانتمائهم لهذه الأرض وبإرادته الفولاذية أستطاع أن يجمع حوله أبناء عدن مسترشدين بثقافة النيرة ورجاحة عقله وفكره الخلاق وهو بذلك يعد امتدادا لأسرة لقمان العدنية العريقة .
خالد حسين علي
قيادي بركان – عدن
15رمضان 2010م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق