20.ديسمبر كانون الأول.2010
كتب / المحامي يحيى غالب الشعيبي*
موقف الحراك الجنوبي الثابت والعلني من الضربات العسكرية الجوية التي تعرضت لها محافظة ابين منطقة المعجلة منذ اللحظات الأولى ظهر واضحا من خلال بياناته ومواقف قياداته بالداخل والخارج التي أكدت ومازالت تؤكد على عدم وجود مايسمى بالإرهاب (تنظيم القاعدة بالجنوب )وأن هذا التنظيم مستنسخ يتحرك وفق أجندة نظام صنعاء والذي يستخدمه لضرب الخصوم السياسيين وهو ما نجح باستخدامه في حرب احتلال الجنوب 1994م واليوم يريد إجهاض الحراك الجنوبي بواسطة هذه التنظيمات .
وقد أثبتت الوقائع والأحداث صحة طرح قيادات الحراك الجنوبي في الداخل والخارج بعدم وجود مايسمى بتنظيم القاعدة في منطقة المعجلة الجنوبية وأن الهدف هو خلط الأوراق وترهيب الحراك الجنوبي بضربات الطيران ووصم الحراك بجرائم الإرهاب.
ومن خلال وثيقة (ويكيلكس) السرية و اعترافات قيادات نظام صنعاء ومنهم رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء لشؤؤن الأمن بأن الضحايا الذين سقطوا مدنيين ووفقا لما أوردته وثيقة (ويكيلكس)بأن العليمي ابلغ السفارة الأمريكية بمعلومات ، وفقا لماجاء في نص الوثيقة كما يلي ((ملاحظة : أبلغ نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن رشاد العليمي السفير الأمريكي أن المدنيين الذين قتلوا خلال الضربات الجوية كان معظمهم من البدو الرحل في هذه المنطقة وأنهم كانوا يقدمون دعما لوجستياً لعناصر القاعدة.)
يتضح التناقض الواضح بين بلاغات الحكومة اليمنية السرية والخفية للسفارة الأمريكية كما جاء في بلاغ رشاد العليمي للسفارة وبين اعترافات الحكومة اليمنية العلنية والصريحة بنجاح عملية الضربة الجوية لمنطقة المعجلة والتي زعمت أنها قتلت فيها عدد من الإرهابيين المطلوبين واعتقلت عدد كبير منهم وهذا ماجاء في مقدمة وثيقة (ويكليكس)ك ما يلي (رغم أن اليمنيين لا يتحدثون كثيرا، لكن عمليات مكافحات الإرهاب ضد القاعدة في جزيرة العرب منذ نشر تلك الأخبار التي تحدثت عن ضربات جوية في 17 ديسمبر والتي وصفتها وسائل إعلام رسمية إلى جانب مسؤلون حكوميون أنها كانت مركزة جداً وحققت نجاحاً كبيرا يتمثل في مقتل 34 إرهابيا واعتقال 51 آخر).
إلا إن الأمر المهم في الوثيقة السرية للسفارة الأمريكية يتمثل في التعامل من خلال مواقف سياسة ثابتة لدعم نظام صنعاء وأن التمثيل السياسي الدبلوماسي الأمريكي بين نظاميين سياسيين وليس بين شعوب وفقا للقانون الدولي ونلخص تلك المواقف من خلال ماجاء بالوثيقة السرية وفقا لمايلي:
اولآ: تجاهل مواقف الحراك الجنوبي الثابتة من الإرهاب بالرغم من الوثيقة (سرية) وهذا يدل على موقف من السفارة الأمريكية بصنعاء التي لم يلتمس الحراك الجنوبي منها أي موقف علني سياسي أو إنسانيأاو حقوقي لما يتعرض له أبناء الجنوب من جرائم واقعة ضد الإنسانية (قتل جماعي وجرح جماعي واعتقالات جماعية وقصف مدن وقرى وتشريد وترويع سكان الجنوب ومداهمة المنازل للمحاميين والناشطين السياسيين ودور الصحافة والنشر وإغلاقها وهذا ما حصل لصحيفة (الأيام الجنوبية) التي تم إغلاقها وقصف مبناها بالبوازيك وذلك بعد زيارة السفير الأمريكي لمبنى الصحيفة في مطلع 2008م واعتقال الصحفيين والكتاب وكل رجال الإعلام الجنوبيين والمحاكمات الاستثنائية لهم وللناشطين السياسيين وعسكرة الجنوب وغيرها من الانتهاكات التي تتصدر تقارير المنظمات الدولية الحقوقية والسياسية والتي تتجاهلها سفارة واشنطن بصنعاء,في الوقت الذي تتدخل السفارة ايجابيا لدى الحكومة اليمنية لتخفيف الضغط والعقوبات عن بعض الصحفيين والكتاب والناشطين السياسيين من أبناء الشمال في (صنعاء) ، (كما أحسنت عملا بقضية الناشط السياسي الصحفي عبدا لكريم الخيواني) وهذا عمل سياسي ايجابي يفترض أن يشمل ابناء الجنوب الذين يواجهون أحكام سياسية وصلت عقوبتها إلى الإعدام ويرزحون بالمعتقلات لنشاطهم السياسي السلمي .
وأثبتت الوثيقة السرية أن موقف السفارة الأمريكية ثابت وواضح سواء كان علني أو سري إلى جانب نظام صنعاء وحكومة اليمن وهذا ماجاء في التوصية التي اختتمت بها الوثيقة السرية من السفير الأمريكي (السابق) والنصيحة للحكومة اليمنية بالاستعداد لمواجهة أخبار المعارضة والقاعدة التي تتحدث عن سقوط أبرياء في الضربة الجوية وهذا ماجا بالوثيقة السرية (ومع ذلك يجب على الحكومة اليمنية أن تبدي استعداداً في مواجهة أخبار المعارضة غير الصحيحة ودعاية القاعدة المتعلقة بسقوط الأبرياء في ضربات محافظة أبين وخصوصاً إذا ما استمرت مثل هذه العمليات بالحدوث مستقبلا.)
هذه النصيحة بالغة الخطورة لاتبعث على الطمأنينة لأن الهدف منها ليس تعزيز الشراكة في مكافحة الإرهاب بين واشنطن وصنعاء بل الهدف منها تعزيز قدرات النظام القمعي العسكري لمواجهة النضال السلمي وحرية الصحافة والتعبير .
ثانيا: الوثيقة لاترتقي الى مصاف (السرية) خصوصا وهي تتضمن مواقف السفارة الأمريكية العلنية ففي الوقت الذي يتم تجاهل علني وواضح للمسيرات والمظاهرات الشعبية للحراك الجنوبي السلمي التي تواجه بالقمع والقتل والاعتقالات والتي بلغ حجمها الى تعداد المليون متظاهر كنموذج فريد بالمنطقة والعالم ,نجد الموقف السياسي السري للسفارة الأمريكية يتطابق مع الموقف العلني من خلال ما أوردته الوثيقة السرية بشكل مفضوح يتمثل بالقول أن المظاهرات بشكل دائم في الجنوب خصوصا ابين ولحج للتنديد بهذه الضربات وهذا ماجاء بالوثيقة (تقارير إخبارية محلية ذكرت أن الآلاف من المواطنين يحتجون بشكل دائم في المحافظات الجنوبية كلحج وأبين، مطالبين بالتحقيق في هذه الهجمات ) بينما الحقيقة والواقع ان آلآلاف يحتجون بشكل دائم في الجنوب مطالبين باستعادة دولتهم الجنوبية وأكبر دليل على ذلك ان الضربة العسكرية على المعجلة جاءت وجماهير الحراك الجنوبي بعشرات ألآلاف في الشارع الجنوبي صباح الخميس 17ديسمبرخرجوا قبل الضربات الجوية ضمن نشاطهم ونضالهم السلمي المستمر منذ ثلاث سنوات . وخروجهم بعد الضربات الجوية كما جاء بالوثيقة يعد ضمن نشاط الحراك الجنوبي وبرنامجه التحرري السلمي للمطالبة باستعادة دولتهم الجنوبية وفي نفس الوقت التنديد بجريمة المعجلة والتنديد بالإرهاب الذي ترعاه وتديره حكومة صنعاء والمطالبة بمحاكمة زعامات الإرهاب , ولكن المؤسف أن الوثيقة السرية تجاهلت الاحتجاجات الجنوبية السلمية من خلال اختزالها بالمطالبة بالتحقيق بمرتكبي جريمة المعجلة,وكذلك من خلال إبراز مواقف الحراك الجنوبي وأطروحاته عبارة عن إشاعات كما جاء بالوثيقة (وقد أثيرت شائعات في أوساط الانفصاليين في جنوب اليمن في أن الهجوم لم يكن يستهدف معسكر تدريب القاعدة بل كان يستهدف السكان المدنيين.).
بينما الوقائع أثبتت وباعتراف الحكومة اليمنية نفسها بأن الهجوم استهدف مدنيين ولم يتم قتل او اعتقال أي شخص من الإرهابيين والقاعدة, فماذا يعني تفسير أطروحات الحراك الجنوبي كإشاعات في وثيقة سرية بينما هي حقائق واقعية ؟, نعتقد ان ذلك التحليل الخاطئ إما بسبب موقف رسمي ضد الحراك الجنوبي محدد سلفا أو قد يكون بسبب سيطرة الحكومة اليمنية على السفارة الأمريكية سياسيا واستخباريا وعزلها عن حقيقة مايجري بالجنوب واعتماد السفارة على مصادر مغلوطة . وأما أن يكون بسبب ضعف سياسي لدى رجال السفارة الأمريكية وهذا احتمال ضعيف ولكن يعزز هذا الاحتمال ماجاء بالوثيقة السرية كمايلي (أبلغ مصدر آخر في 20 ديسمبر السفارة "أن نظام الرئيس صالح يحاول أن يخلط بين القاعدة والحراك الجنوبي).
وهذا الاستنتاج لايجوز تصنيفه (بالسري) وإرساله على شكل برقية (سرية) خصوصا وقضية محاولة نظام صالح بخلط الأوراق بين الحراك والقاعدة موضوع تناولته وسائل إعلام عربية ودولية وهو موقف الحراك الجنوبي مبكرا محذر جميع المنظمات الدولية ومراكز صناعة القرار الدولي من تلك السياسة وهو ماتجلى وانعكس في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 15ديسمبر2009م قبل الضربة الجوية بيومين .
ثالثا: أظهرت البرقية السرية من خلال قراءتها الاهتمام الأمريكي لاستقراء مواقف المعارضة اليمنية (أحزاب الإصلاح وكذا الحزب الاشتراكي التي قالت الوثيقة أنه طالب بتعويض المتضررين وكذا الحوثيين من خلال مواقعهم الإخبارية الصحوة نت الإصلاحي والمنبر نت الخاص بالحوثيين) وذلك وفقا لماجاء بالبرقية السرية (وقد تم نشر الخبر الذي أذاعته الشبكة على موقع الإصلاح المعارض –الصحوة نت- بخصوص تأكيد مسألة المساعدات الأمريكية للحكومة اليمنية. ونقل شاهد عيان لم يكشف عن اسمه قوله إن 18 طفلاً و41 رجلا وامرأة كانوا ضمن الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء تلك الضربات الجوية. وقد نشر موقع المنبر نت، الموقع الرسمي للحوثيين وكذا التلفزيون والصحافة الإيرانية ، تقريراً خاطئا يفيد أن 63 مواطناً قد سقطوا جراء تلك العمليات في محافظة أبين، بينهم 28 طفلاً.)وهذا يدل على عدم اهتمام السفارة الأمريكية بالحراك الجنوبي ومواقعه الإخبارية وكذا بيانات ومواقف الحراك التي تناولتها القنوات الفضائية الخارجية بشكل ملفت للنظر بهذا الصدد,والمؤسف ان السفارة تعاملت مع (الأخبار)العادية في مواقع المعارضة ولم تتعامل مع المواقف السياسية وخصوصا مع موقف الحراك الجنوبي وهو المعني سياسيا كحركة شعبية في الجنوب وموقع الهجوم (محافظة أبين)يسيطر عليه الحراك الجنوبي.
رابعا:
الوثائق تجاهلت مطالب الحراك الجنوبي ومواقف قياداته بالداخل والخارج حيث تجاهلت رسالة الرئيس علي سالم البيض الى الرئيس ألأمريكي باراك اوباما عقب الضربة الجوية على المعجلة وكذا نشرت الوثيقة تسلسل للمواقف السياسية لمنظومة الحكم اليمني (سلطة ومعارضة) التي أعقبت ضربة المعجلة إلا أن الوثيقة تجاهلت مواقف الحراك الجنوبي من خلال عدم نشرها لحقيقة ما قا مت ببثه قناة الجزيرة عصر ذلك اليوم من صور وأخبار ، وأشارت الوثيقة إلى مواقف منظومة الحكم اليمني و أغفلت موقف الحراك الجنوبي بالداخل ومطالبته عبر قناة الجزيرة لسعادة السفير الأمريكي السابق بصنعاء بالتفسيرعن برقية المباركة من الرئيس اوباما الى الرئيس صالح بما اسماه نجاح الضربة.
وكان القيادي بالحراك الجنوبي المحامي يحيى غالب قد استضافته قناة الجزيرة عقب الضربة الجوية وطالب سعادة السفير الأمريكي بصنعاء بالتفسير عن تلك البرقية هل هي مباركة على قتل المدنيين والأطفال والنساء من ابنا الجنوب. وكذلك أكد القيادي بالحراك الجنوبي عبر قناة الجزيرة بأن الضربة الجوية على محافظة أبين منطقة المعجلة كانت محاولة لخلط الأوراق من قبل نظام صنعاء لمحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالحراك الجنوبي خصوصا والضربة الجوية تزامنت يوم (الخميس)وهو يوم فعاليات الحراك الجنوبي (يوم الأسير الجنوبي)وغيرها من الضربات الجوية التي كانت تتزامن في يوم الخميس في مناطق الجنوب التي تشهد حراك سلمي ,وأكد حينها لقناة الجزيرة بأن الضربة أيضا تزامنت مع تواجد منظمة هيومن رايتش ووتش في عدن العاصمة الجنوبية وتقديم تقريرها الحقوقي عن الانتهاكات والقمع للحراك الجنوبي ذلك التقرير الذي أكد براءة الحراك الجنوبي من اتهامات الإرهاب ,بالرغم ان السفارة في وثيقتها السرية تحدثت عن ما تناقلته قناة الجزيرة الإخبارية كما جا في الوثيقة مايلي (وفي 17 ديسمبر بثت قناة الجزيرة صوراً للضحايا المدنيين وتصريحات لمواطنين محليين تفيد أن طائرات أمريكية شوهدت وهي تحلق فوق المنطقة عشية تلك الضربات على محافظة أبين.)
وكما أسلفنا فإن قناة الجزيرة الإخبارية بالذات قد أولت جل اهتمامها بحادث المعجلة من خلال تواصلها مع قيادات الحراك الجنوبي بالداخل وكان ذلك واضحا وجليا للعالم كله في الكشف عن موقف الحراك الجنوبي العلني الواضح وهو الموقف الذي تجاهلته الوثائق السرية للسفارة الأمريكية في صنعاء.
بينما ذهبت السفارة باهتماماتها نحو المعارضة اليمنية ومواقف رموزها وعلى سبيل المثال كما جاء بالوثيقة أوردت موقف النائب علي عشال كمايلي(ففي 20 ديسمبر طالب عضو التجمع اليمني للإصلاح البرلماني على عشال الممثل عن محافظة أبين الوزير العليمي بالمثول أمام البرلمان لمناقشة التقارير المتعلقة بمقتل المدنيين في محافظة أبين .)
وما استدعى الكتابة عن موقف سفارة واشنطن بصنعاء من الحراك الجنوبي هو سبب واحد ووحيد فقط يتمثل بأن وثيقة ويكيلكس تعتبر وثيقة (سرية) كان الأمل المتوقع إن تظهر المواقف السياسية العادلة تجاه النضال السلمي الجنوبي المدني والتي كنا نعتقد أن سفارة واشنطن لاتسطتيع المجاهرة بمواقفها العلنية بذلك احتراما لعلاقاتها الدبلوماسية مع نظام صنعاء , ولكن يتضح أن الأصدقاء الأعزاء (الأمريكان) لايريدون ممارسة (التقية) على طريقة المذهب الشيعي بأن يظهروا مالا يبطنوا به, وأنهم يسيرون على طريقة أهل السنة في علاقاتهم الدبلوماسية ونذكرهم بالمناسبة أن الجنوب تتبع أهل السنة ولكنها شافعية المذهب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق