رسالة مفتوحة للأخوين العزيزين:
الدكتور محمد حيدرة مسدوس والعميد علي محمد السعدي
١- من حقنا أن نختلف الى أقصى درجات الخلاف، وبشأن مختلف القضايا، لان ذلك يمثل أحدى علامات الصحة والحيوية لأي نشاط إنساني، ولأي أمة أو شعب، لكن الذي لا يجوز هو أن يتحول الخلاف في المواقف والرؤى الى التمركز حول الذات والى تراشق مهين وتنابذ فج وتطاول جارح! فأي حوار أو فكر هذا الذي يدور في إطارنا.. وأي قيادة وسياسة ومواقف وأهداف تلك، التي يمكن أن تبرر أن يتحول نضالنا الوطني وقضيتنا العادلة الى صراخ وزعيق ومزايدة تنطلق عبر المواقع الألكترونية، التي يغلب عليها إتجاه واحد، وأحياناً عبر الفضائيات.. وكأن الجنوبيين لم يروا مجال للحوار والتفاهم فيما بينهم – رغم محنتهم – سوى إعادة إحياء الأجواء القديمة لسوق عكاظ، عندما كان يختلط الحابل بالنابل وتتوه الحقائق تحت طي الكلمات الخادعة والأبيات الشعرية الساحرة لشعراء ذلك الزمان.
أن الخطر الذي يتهددنا اليوم ليس الإحتلال أو رياحاً وعواصف تهب علينا من الخارج فقط، وإنما يتهددنا أيضاً الخطر من داخلنا، من أولئك الذين مازالوا يعيشوا بأفكار الجاهلية، التي لا مجال فيها للرأي والرأي الآخر فحسب، بل يختلفوا في الجاهلية ويتقاتلوا على مراعي الماشية أو بئر أو زواج بنت العم.
أذا كانت المرجعية هي المنبع الذي نستسقي منه، والأصل الذي تصدر عنه أو تتحدث عنه القيادات الجنوبية في الداخل والخارج كلها، وترجع اليه وتقيس الأمور عليه. فأن الجنوب هو مرجعنا وعدن عاصمتنا.. بالأمس القريب، والعجيب أن الكل باع الكل، والكل تلون، والكل حاول تصفية الحساب مع التاريخ والجغرافيا، بينما الكل يعرف الخقيقة ويعرف خفايا الماضي وأن عهد الحزب الأشتراكي كان وبالاً على الجنوب و أهله بفضل قيادته، بحيث وقف الحزب في مكان أعلى من الوطن والشعب والتاريخ، حتى إنتهى به المطاف الى هزيمة الجنوب وبالتالي سلم الوطن والدولة والشعب للشمال على أنغام "صبوحه خطبها نصيب".
البعض يصف ما فعله طيلة السنين الماضية – وماينكره اليوم – أنه (تطهر). ناسياً أنه بهذا المنطق العقيم ينكر سنوات عمره وتجربته، التي كان مشاركاً فاعلاً فيها – وأضعف الإيمان كان شاهداً – فمن باع مرة سوف يبيع ثانية وثالثة، طالما السوق مازال حامي، وطالما الخيانة مجرد وجهة نظر – إذن – لماذا نكذب على أنفسنا؟ إنضحك علينا أو ضحكنا على أنفسنا كله على بعضه سواء، مع إحترامنا الشديد لصديقنا العزيز الأستاذ/ محمد عباس ناجي إذا ما خالفناه الرأي. فهو يعرف – كما نحن نعرف – من صدق ومن كذب وهرطق ومن أدى الصلوات في أوقاتها ومن قاوم ومن سلم وإستلم، ومن فشل بالأمس هل سينتصر اليوم بسيفه الخشبي، الذي يتبرع به خارج الملعب!!
٢- أن الجنوب الذي تبلغ مساحتة 337 الف كيلومتر مربع، وتعداد سكانه أكثر من 4 مليون نسمة، ليس مجرد أسم أو شعار أو قبيلة أو منطقة.. بل الجنوب أرض وحضارة وتاريخ وتراث حافل بالتجارب والخبرات والتضحيات الكبيرة.. والعناصر الأصيلة المكونة (أجدادنا) والعناصر الوافدة، التي تواصلت في الجنوب وتفاعلت خلال مراحل مختلفة، شكلت الجنوب الجامع الذي تنتمي اليه، ونتحقق به، لا نفرق فيه أو في أنفسنا أو بين عنصر وعنصر إلا بالقانون، أو بين تاريخ وتاريخ – وبالذات لدى العقلاء – إلا بالحق، حتى الهجرة الوافدة الى عدن من الخارج والهجرة الداخلية كانت جزء من النسيج الإجتماعي، بل صارت خلايا حية في جسد حي. لذلك الحراك الشعبي الجنوبي يضم في إطاره العام هيئات ومجالس وإتحادات ومكونات وأحزاب، ويمثل الحاضن الأساسي للقضية الجنوبية، بإعتباره، ومنذ إنطلاقته في 7 يوليو 2007م، محرك الأحداث التاريخية العارمة وقلبها النابض وتحقيق الإنتصار بأقوى سلاح عرفه التاريخ وهو الوحدة الوطنية الجنوبية، كما أن شباب الجنوب ليسوا الحاضر وذخيرة المستقبل فحسب، بل هم أيضاً قوة الحلم الصادق الذي يعبر بكل وضوح عن العمود الفقري لشعبنا وروحه الوطنية وهو ما تجسد واضحاً جلياً أمام شعبنا والعالم في ذكرى 30 نوفمبر قبل أيام.
٣- الجنوب اليوم لم يعد حرمة لشيء فيه، لا حق الحياة مكفول ولا حتى حق الذهاب الى القبر. وسواء ذهب الرئيس اليمني من السلطة أو لم يذهب، فإن من سيخلفة سوف يحاول تدمير الجنوب وقتل الجنوبيين جميعاً، بإعتبار الجنوب خارج عن الشرعية ومتمرد على القانون، كما سيحرق النظام مدنهم كلها ويجلس يغني على الأطلال المحترقة، كما فعل نيرون روما.. كل هذا الدم ينـزف ولا يرتوى أو يكف، ولا ينتهي عطشه من الدم.. عدد الشهداء في الجنوب ما بعد 7 يوليو 1994م تجاوز الألف شهيد، وعدد الجرحى تضاعف وحدث ولا حرج ولا يبالي، لدى نظام صنعاء قوة بشرية فائضة عن الحاجة، زج بها في الجنوب وعمل على تمليكها للجنوب. بينما قيادات الجنوب في السلطة سلكة طريق السلامة – نفسي نفسي ولا أسألك سواها - وقيادات المعارضة ظلت تتفرج على ماجرى ويجري في الجنوب وكأن الأمر لا يعنيها، ولما أعلن التصالح والتسامح والتضامن في 13 يناير 2006م، خرجت تلك القيادات للعلن وقد فرحنا وإستبشرنا خيراً، ولكن يا فرحة ما تمت وعادت حاليمه الى عادتها القديمة.
هكذا المأساة تتمدد على طول وعرض الجنوب بصورة عامة وفي أبين بصورة خاصة، تتلون المدن والقرى في الجنوب بلون الدم القاني، يودع الوطن أبنائه كل يوم شهداء جدد، والحرب في الجنوب مستمرة لا ترحم طفلاً ولا إمرأة، ولا ينجو من حفلة الدم شاب أو شيخ، الى درجة أضحى التعامل اليومي مع تلك الحرب العبثية من الامور العادية.. المشرد مشرد.. والحصار العسكري محكم.. والقتل عادي.. والفقر والجوع والسجن عادي، حتى وصلت الأمور الى درجة قطع سبل الحياة كالماء والكهرباء والطرق عمداً. بينما بعض القيادات في الخارج تعيش – كما يبدو – على البيانات النارية والتصريحات العنترية، ولم نعد نميز صدقها من كذبها، والبعض الآخر ساكت، والسكوت علامة الرضى والله الموفق!!
ياأخوننا المحترمين..
من يسيطر على أبين يسيطر على الجنوب، وهاهي أبين منكوبة تحت رحمة القراصنة، سيطر على المحافظة ما يطلق عليهم (انصار الشريعة) وكل الحوادث التي شهدتها زنجبار وجعار والمعجلة ولودر والحصن ومودية وغير ذلك من المدن، وما زال الحبل على الجرار، ولم تحرك شعرة من مفرق (....)، يبدو أن بعض الأطراف الجنوبية ما زال بعضها يعيش في الماضي وما زالت ترغب في الثأر من محافظة أبين وأبنائها، وهذه مؤامرة على أبين على حد قول الأخ العميد علي محمد السعدي، وفي ذات الوقت قال القيادي في الحراك، محمد حسين المارمي، في سياق تصريحه لصحيفة أخبار اليوم بتاريخ 1 نوفمبر 2011، إن الجيش الذي يقاتل من أجل تحرير أبين من العناصر المسلحة يتعرض لقصف بالطيران، مشيراً إلى أن مشكلة أبين لا يمكن لها أن تحتل إلا إذا احتلت مشكلة صنعاء، حيث أن ما يحدث بأبين مرتبط مباشرة بما يحدث في صنعاء.
٤- مايحتاجه الجنوبيين في الداخل والخارج في نضالهم اليوم كأمر مُلَح، العمل على ضرورة إسقاط الماضي البغيض في علاقاتهم وتحالفاتهم وعقولهم، كشرط ضروري لفتح أفاق جديدة نحو المستقبل في ميدان العمل الوطني الوحدوي المشترك على أساس القواسم المشتركة كما ورد في وثائق المؤتمر الأول للجنوبيين في القاهرة، مالم نظل في محلك سر.. إسقاط الماضي البغيض وما تعلمناه منه وما قد يكون من باق من رسوب في دواخلنا من أمرض مزمنة، خصوصاً والعالم تغير وإنقلب رأساً على عقب، ختى أمريكا يحكمها رجل أسود من أصول أفريقية، في حين نحن بدلاً ما نعمل على وحدة الصف من أجل إستعادة وطننا وهويتنا الجنوبية وبناء دولة وطنية تعددية ديمقراطية، نرفع شعار إستعادة دولة اليمن الديمقراطية، التي ضيعت الجمل بما حمل، إذن حدث العاقل بما لا يعقل وربنا يستر.
الحديث بأسم دولة الجنوب إنتهى في 7 يوليو 1994م، وأيضاً إنتهى الوقت الذي يفوض فيه الناس للبعض للحديث عنهم كممثلين سياسيين.. إنتهى زمن الوصاية لمن كان وصي بالأمس على شعبنا الى غير رجعة.. أنقضى وقت التوكيل المطلق على بياض الذي فرضه النظام السابق، الذي باع البلد في سوق النخاسة.
اليوم الجنوب تغيرت فيه الخارطة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية، الغالبية من شعبنا مسلح بما في ذلك أبناء عدن وحضرموت المسالمين، كل شخص يحمل على كتفه أو في بيته كلاشنكوف و خنجر إذا لم يكن أكثر، فلا يمكن إعادة عجلة الزمن الى الوراء.. كلنا في مركب واحد، إما أن نصل به الى بر الامان، وإما أن نغرق.. وفي الحالتين إما أن نحيا جميعاً أو نغرق جميعاً.. كلنا نبحث عن الجنوب كأرض وإنسان، والذي أحرقنا دمائنا وأعمارنا وخسرنا رجالنا البواسل حتى حررناه من الأجنبي، ولكن إستبدلناه بأسوأ من الأجنبي.. نبحث عن الجنوب الذي أضعناه ولا نبحث عن إستعادة دولة اليمن الديمقراطية التي فرطت فيه. لماذا قضينا أعمارنا نأكل كفافاً ونلبس كفافاً ومن المسؤول الذي وصلنا الى ما نحن فيه؟
وأمام ذلك وبالرغم من الظروف العصيبة التي يعيشها شعبنا، فإن شعبنا الصابر المؤمن البطل، صامد في نضاله السلمي المشروع والعادل، وصولاً الى تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية، إقتناعاً فكراً وعملاً من أن الزمن كفيل بتغيير المعادلة التاريخية على أرض الجنوب لصالحه، من خلال ظهور قيادات جديدة من رحم المعاناة تتحمل المسؤولية التاريخية على الأرض، وهذا ليس إنتتقاصاً من دور الذين سبقونا في النضال ونزلوا الميدان وقالوا للغازي لا والف لا، وطالبوا بحقوق الجنوب المسلوبة قبل الآخرين، ولكن للضرورة أحكامها، وللمرض وعامل السن أثرهما.
٥- على العموم، لقد بات واضحاً في هذه الظروف العصيبة، أن قضية المؤتمر الأول للجنوبيين الذي عقد في القاهرة تحت شعار (من أجل تقرير المصير لشعب الجنوب) في الفترة 20- 22 نوفمبر 2011، ليس هو المشكلة الحقيقية كما يحاول البعض تصويرها الآن كعقبة في طريق الوحدة الوطنية الجنوبية، بل على العكس فقد وضعنا المؤتمر على بداية الطريق الصحيح، ثم ترك الباب مفتوحاً لكل الخيارات بعد إنقضاء الفترة الزمنية المقررة إذا ما أستجاب الطرف المعني بقضية الجنوب، وإنما لبعض الملقحين تاريخياً ضد الوحدة الوطنية لأبناء الجنوب، أخذتهم العزة بالأثم، وحاولوا أن يجعلوا من ذلك المؤتمر ذريعة لتعطيل الوحدة الوطنية الجنوبية.
وكنا نتمنى أن يحضر الأخوة الكرام: السيد علي سالم البيض، والسيد عبدالرحمن الجفري، و الأخ أحمد عبدالله الحسني، والأخ محمد بن عجرومة، والأخ الدكتور محمد حيدرة مسدوس، والأخ عبدالله الأصنج، وبالتالي يعلنوا مواقفهم والتعبير عنها من خلال المؤتمر لربما تغيرت المعادلة، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فلا باليد حيلة يابو العيون الكحيلة.
أيها الصديقين العزيزين الدكتور محمد حيدرة مسدوس والعميد علي محمد السعدي..
أيها المثقفون..
أيها النشطاء في قيادات الحراك..
أيها الأشتراكيون..
أيها القوميون..
أيها الأصلاحيون الجنوبيون..
أيها اللبيراليون..
من منكم يحترم شعب الجنوب الذي يعيش المأساة وتجلياتها بسببنا، ويقدر دماء أبناءً لنا سقطوا شهداء من أجل الوطن ومن أجل الحرية، ومن أجلنا فليعمل منذ اليوم على إنجاح تحقيق الوحدة الوطنية الجنوبية في الداخل كسبيل وحيد لإنتصارنا. وأتركوا الشروط التعجيزية الغير واقعية لبعض القيادات التي عودتنا على وضع العصي في دواليب العربة، ذلك الكرة في ملعبها في الماضي والحاضر، لأنها وضعت من نفسها كابتن الفريق والمهاجم وحارس المرمى، حتى رمتنا في أعماق البحر تطبيقاً لقول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إيـاك إيـاك أن تبتل بالماء
عوض علي حيدرة
4 ديسمبر 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق