نحو وحدة الصف الجنوبي ..
:عزيز سالم
تمر القضية الجنوبية في هذه الفترة بأشد المراحل تعقيداً وحساسية، ففي
حين أصبحت اليمن ككل وليس الجنوب فقط محط أنظار دول الإقليم والعالم منذُ
ما بعد الثورة الشبابية في مطلع العام 2011م فإن قضية الجنوب قد وصلت إلى
مرحلة هامة جداً من مراحل تطورها، وينبغي على الجنوبيين بذل جهود مضنية
في مناح مختلفة لانتصار قضية شعبهم التي رغم ما يبديه العالم والإقليم من
مظاهر الاهتمام بها فإن هذا الاهتمام لم يرقَ إلى الآمال والطموحات
والأهداف التي وضعها شعب الجنوب وقواه السياسية والاجتماعية ولكن ما هي
بالضبط الخطوات المطلوبة من القوى السياسية الجنوبية والتي يتصدرها
الحراك الجنوبي الشعبي السلمي بمختلف فصائله ومكوناته ومعه كافة القوى
الجنوبية الأخرى من أحزاب وشخصيات وغيرها.
لا شك أن أول هذه الخطوات هي العمل على توحيد الجهود تحت إطار جنوبي جامع
وفق قواسم مشتركة تجمع كل القوى التي تناضل من أجل الجنوب ويتفق معها
شعبنا لأنها تجسد مصلحته.
ولكي نتمكن من إنجاز هذا الهدف فإن علينا القيام بعدد من الخطوات
التمهيدية التي تعتبر ضرورية قبل البحث في هذا الهدف الهام ومن أهم هذه
الخطوات في رأيي ما يلي:
ـ التوافق والاعتراف بأن المراحل السابقة من تاريخ شعبنا الجنوبي الحديث
وبالذات منذُ عام 1967م أي منذُ الاستقلال قد شهدت أخطاء جسيمة شملت
الجنوب بأجمعه وأصابت مناطق خاصة بضرر أكبر كما شملت الشعب وأضرت كثيراً
بقوى سياسية وشخصيات محددة بصورة أكبر، وكذا مؤسسات اقتصادية وتجارية..
الخ.
وبعد هذا الاعتراف بالخطأ الذي يستلزم بالضرورة الاعتذار لكل من أصيب
بضرر بعد أن يحدد بدقة يتم الاتفاق والتوافق والالتزام من قبل كل قوى
الجنوب بإصلاح تلك الأضرار وإعادة الحقوق إلى أهلها وتعويض المتضررين
الذين تعرضوا للاضطهاد السياسي والإقصاء والتهجير ومصادرة الأملاك وكل
أشكال التعسف والمضايقة التي سادت تلك المرحلة وهذا طبعاً يتم وفق قانون
يتم الآن وضع خطوطه العريضة ويتم إصداره وتنفيذه فور إقامة الكيان
الجنوبي.
ـ الإقرار والاعتراف بأن عدد من السلوكيات والتصرفات السلبية سواءً على
مستوى القيادات أو القوى السياسية أو الأفراد قد أدت بنا إلى الوضع
الحالي الذي نتفق جميعاً على سلبيته ولذا فإنه يجب علينا أن نحدد أنماط
السلوك تلك حتى لو عهدنا بأمر تحديدها إ لى عدد من الأكاديميين
والمتخصصين المستقلين وذلك لكي نتوافق على الالتزام بعدم تكرارها وكذا
وضع عدد من الضوابط التي تمنع ممارستها الآن وفي المستقبل, نلتزم بصياغة
هذه الضوابط في قانون ملزم يحظر تكرارها في الحياة السياسية والاجتماعية.
ثالثاً: يجب معرفة أن غياب الديمقراطية في كل المراحل السابقة كانت
السبب الرئيسي وراء كل المشكلات والصراعات على السلطة في الجنوب والتي
أدت إلى حروب مريرة عدة مرات ولذا فإنه من المهم جداً من الآن أن تتوافق
جميع القوى السياسية والأطراف الجنوبية على أن هناك طريقة واحدة للوصول
إلى السلطة وهي الطريقة الديمقراطية والشفافية والحرية مع تحديد كافة
الضوابط والمعايير التي تضمن إنشاء نظام ديمقراطي حقيقي يضمن الحرية
والعدالة والتنمية والتطور لشعبنا وكل أبناءه في كل مكان.
وبهذا فإننا نقر جميعاً بأن المرحلة السابقة قد اعترتها الأخطاء
والصراعات وبالتالي نضع الأسس للمرحلة القادمة حتى لا نكرر تلك الأخطاء.
واعتقد أن النقاط الثلاث هي محط إجماع أو شبه إجماع بين المكونات
الجنوبية رغم أن التفاصيل التي تقع تحت هذه النقاط لها تشعبات يمكن أن
تظهر بعض التباينات في وجهات النظر ولكن هذا أمر طبيعي .
وبعد الاتفاق على تلك النقاط وتفاصيلها يمكن للقوى الجنوبية الانتقال إلى
دراسة الوضع الراهن وكيفية الخروج
من هذا المأزق الذي وصلنا إليه وفي ذلك لابد من التوافق على آلية محددة
تخرج شعب الجنوب من الوضع الحالي وفي هذا الشأن هناك وجهات نظر وآراء
وتحليلات مختلفة لوضع الجنوب الحالي تختلف من تيار إلى آخر ومن فصيل إلى
آخر من فصائل الحركة الوطنية الجنوبية وتأسيساً على ذلك تختلف بدورها
آليات الحل التي يطرحها كل طرف.
فهناك من يرى أن الجنوب محتل منذُ حرب صيف 94م وعليه يجب أن يحصل على
استقلاله عن طريق التفاوض مع الطرف المحتل ويرون أن القرارات الدولية من
مجلس الأمن الصادرة في عام 94م تمثل أساس قانوني لقضية الجنوب ويجب سحب
القوات العسكرية الشمالية من الجنوب وعودة الجنوب والشمال إلى التفاوض
وهناك أيضاً من يرى أن إعلان فك الارتباط الذي أعلنه البيض في 21 مايو
94م لا زال قائماً ويمثل وجهة نظر الجنوب في الوحدة التي تم الغدر بها
واستخدام القوة لاحتلال الجنوب وبالتالي سيناضل الجنوبيون حتى تحقيق هذا
الفك واستعادة دولتهم .
وعموماً هناك أفكار ورؤى وفصائل تقول بالاستقلال والتحرر واستعادة الدولة
ج، ي، د، ش وكما يوجد آراء ترى أن ج، ي ، د، ش هي في الحقيقة الجنوب
العربي وأنه قد تم يمننتها من قبل قوى معينة دون رضى أورغبة من شعب
الجنوب وهي ترى وجوب استعادة الجنوب العربي.
ومؤخراً ظهرت إلى الوجود أفكار ترى حل قضية الجنوب عن طريق إعادة صياغة
الوحدة في شكل دولة اتحادية من إقليمين هما ج، ع، ي وج، ي، د، ش الذين
اتحدا في مايو 90م.
وبعد فترة زمنية يستفتى شعب الجنوب لكي يحدد مصيره أما البقاء في إطار
الوحدة الفيدرالية بإقليمين أو تكوين دولته الخاصة به على أراضيه
السابقة.
وللشعوب الحق في تقرير مصيرها وفقاً للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان في
حالات محددة في هذه المواثيق وقد تم تطبيق ذلك في يوغوسلافيا وفي جنوب
السودان مؤخراً وتم استحداث دولة لم تكن موجودة في الأصل.
وفي الحقيقة فإن وحدة الجنوبيين هي التي ستحقق الأهداف التي يرمون إليها
ولا يمكن الانتظار من المجتمع الإقليمي أو الدولي أن يمنحونا أو يهبونا
أي حق ولو كان حقنا وتمت مصادرته من قبل آخر ما لم نناضل ونبذل التضحيات
الجسام في سبيل استرجاع ذلك الحق ونعمل بكل جهد لإنضاج الظروف الذاتية
الداخلية التي بدورها شرط أساسي للشروط الخارجية الموضوعية وأهم هذه
الشروط الذاتية الداخلية هي التوحد على أساس مشترك وإ يمان الشعب بقضيته
واستعداده لتقديم التضحيات لتحقيقها.
ومعروف أن استعداد الشعب واضح وهذا الشرط ناضج ولكن القيادات الجنوبية لم
تكن موحدة ولا تعمل بجد من أجل توحيد صفوفها، الأمر الذي يفرض علينا بذل
جهود جبارة لتوحيد الصف والموقف ووضع خطط وآليات موحدة لحل قضيتنا وعرضها
على المتجمع الدولي والإقليمي.
وقدر رأينا كيف أن سفراء الاتحاد الأوروبي يشددون على ضرورة توحد
الجنوبيين حول رؤية موحدة لقضيتهم وهو ما يسهل على الآخرين التعامل مع
هذه القضية وإعطائها الأهمية التي تستحقها.
وعليه يمكن القول بأن حق شعب الجنوب في تقرير مصيره بنفسه يمكن أن يكون
أساس تلتقي عنده معظم الأطراف الجنوبية ويمكن وصفه كقاسم مشترك لبناء
جبهة وطنية جنوبية موسعة تناضل من أجله وقد تم طرح ذلك من قبل الاستاذ
علي سيف حسن رئيس منتدى التنمية السياسية في ندوة في عدن هدفت لمناقشة
تقرير مجموعة الأزمات الدولية حول القضية الجنوبية في يومي
12و13/12/2011م، وهذه المسألة ان اتفقت عليها الأطراف الجنوبية فهي تحتاج
إلى بحث معمق من عديد من الجوانب مثل متى وكيف وأين ومن؟ وغير ذلك وهو
ما سيختص به حوار الأطراف الجنوبية التي يجب عليها أن تضع مصلحة الشعب
قبل كل شيء وينبغي أن لا يغيب عن بالها إ نها ستواجه طرف آخر متصلب في
آرائه وطروحاته إلى حد بعيد ومتمرس في عملية المشارعة حيث المشارعة
المطولة وأساليب اللف والدوران والمراوغة هي سمة عامة وأصيلة من سماته .
وهناك مجتمع دولي وإقليمي سيكون موقفه سلبياً مع الميل إلى الطرف الآخر
ضدنا كما يبدو من معطيات الأيام الأخيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق