مؤشرات الفضائح الأولية لإنتاج الجمهورية اليمنية من الغاز الطبيعي (المسيل LNG)
بقلم / د. حسين مثنى العاقل - المكلا برس
الحديث عن المؤشرات الأولية عن إنتاج الجمهورية اليمنية من الغاز الطبيعي المسيل المصاحب لإنتاج النفط الخام، سيكون مصيره من حيث حجم الإنتاج وقيمة صادراته من العملة الصعبة، ليس بأحسن حالاً من المصير المجهول للإنتاج اليومي من براميل النفط، والتي تم تصدير أول كمية منها من حقول مأرب في عام 1984م.وخلال أكثر من 24 عاماً (1984- 2008)، من إنتاج النفط وسكان الجمهورية اليمنية، يخوضون جدالاً عقيماً، ويطرحون فيما بينهم أسئلة كثيرة معظمها إن لم يكمن جميعها، يتمحور أساساً حول: هل اليمن حقاً دولة تنتج وتصدر النفط كما يعلن ويصرح رئيسها والوزراء المتعاقبين على وزارة النفط والمعادن منذ سنوات التشطير ؟؟فإذا صدقنا كل تلك التصريحات المتواترة على مسامعنا، وتذكرنا تلك الصورة الغابرة التي ظهر فيها رئيس الجمهورية العربية اليمنية (العقيد) علي عبد الله صالح وإلى جانبه نائب الرئيس الأمريكي بوش (الأب)، وهو يدير عجلة البدء بتدشين الإنتاج النفطي من قطاع 18 مأرب/الجوف (*)، فإن الإجابة على كل تلك الأسئلة المطروحة طوال عقدين ونيف من سنوات النهب المتواصل للثروات الوطنية، ما زالت غير واضحة وتفتقد للمعطيات الاستدلالية عن إنتاج اليمن من النفط، ونتيجة هذا الوضع المحير والغامض. أنقسم الناس في محاولة الإجابة والاستنتاج إلى فريقين متناقضين، وذلك على النحو الآتي:- الفريق الأول: ويمثله قطاع واسع من سكان الجمهورية اليمنية، يحاول أثبات أن اليمن ليست دولة منتجة للنفط أبدا، ويعتبرون ما يعلنه الحاكم ويصرح به المسؤولين في مختلف وسائل الإعلام الرسمية عن كمية الإنتاج اليومي والسنوي من النفط، لم يكن سوى دعاية سياسية وأوهام خيالية يريدون بها تضليل الجماهير الفقيرة وخداعهم المتعمد ليبقى الناس في حالة انتظار وترقب سنة بعد أخرى، وهم على أمل ببشائر الخير المزعوم، عسى أن تتحسن حياتهم الاجتماعية التعيسة والكادحة، وترتقي ظروفهم الاقتصادية لتنقذهم من حالة العوز والكفاف. وما يسوقه هذا الفريق من حجج وأدلة يعتبرها واقعية وملموسة، هو الاستدلال بواقع اليمن المتخلف، فإذا كانت اليمن تنتج النفط كما يشاع ولو بمستوى نصف الكمية المعلن عنها (440 ألف برميل يومياً (أعلن الرئيس مؤخرا أن الإنتاج هبط إلى 200 ألف برميل يوميا ؟؟!!) وسخرت عائداته لصالح المجتمع اليمني في تنمية أوضاعة المتردية، لكان مستوى نصيب الفرد السنوي من الناتج المحلي الإجمالي، قد تجاوز على الأقل خط الفقر الدولي والمقدر كمتوسط حسب المعيار العالمي بنحو 1000 دولار للفرد الواحد/سنة ، بينما يشير تقرير مجلس الوحدة العربية الصادر نهاية العام الحالي 2008م إلى أن نصيب الفرد في اليمن من الناتج المحلي حوالي 901 دولار فقط، وهو بذلك يسجل أدنى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الوطن العربي، حيث احتلت اليمن المرتبة الأخيرة، بعد أن سبقتها دول عربية فقيرة الموارد مثل موريتانيا وجبوتي التي بلغ فيهما نصيب الفرد بحوالي 909 – 977 دولار على التوالي (1).وهذا مجرد دليل واحد من عشرات الأدلة التي تؤكد على أن اليمن من أكثر بلدان العالم فقرا وتخلفاً، وبالتالي فإن اليمن كما يعتقد أنصار هذا الفريق ليست دولة منتجة للنفط الخام والغاز الطبيعي المسيل.. الفريق الثاني:- وتمثله شريحة قليلة من السكان الميسورين اقتصاديا، والذين يطلق عليهم بفئة المتنفذين والمقدرة نسبتهم بحوالي 10% فقط ، أي بنحو 2,215,582 نسمة من إجمالي سكان الجمهورية اليمنية المقدر عددهم بحوالي 22,155,821 نسمة حسب اسقاطات الزيادة المتوقعة لعام 2008، بموجب المعدل السنوي للنمو السكاني المعتمد بواقع 3% من النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2004م.وتتلخص وجهة نظر الفريق الثاني على أن اليمن بالفعل من ضمن الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي، وهم وحدهم الذين يرفضون الاعتراف بأن اليمن دولة فقيرة ومتخلفة، بل ويعتبرون كل ما يقال وينشر في تقارير المنظمات الإقليمية والهيئات المراكز الدولية، بما فيها تقارير الهيئات التابعة للأمم المتحدة، وكذا ما تكشفه البحوث والدراسات العلمية من حقائق حول الأوضاع المتردية لسكان اليمن، على أنها جميعا عبارة عن جهات حاقدة، أما الباحثون والكتاب والمهتمون بالشأن اليمني، فهؤلاء في رأيهم ليسو سوى أشخاص مأزومين وخونة ومتآمرين، هدفهم تشويه صورة اليمن والإساءة إلى المنجزات العظيمة وحياة الرفاهية ورغد العيش الذي ينعم به الشعب اليمني بعد أن صارت اليمن من الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز الطبيعي.. ولكن إذا قبلنا برأي الفريق الثاني فمن حقنا أن نطرح السؤال الآتي:-هــل إنتاج اليمن من الغاز الطبيعي المسيل سينقذ اقتصادها من أزمات التدهور والانهيار؟؟ يمكننا استنتاج الإجابة من المؤشرات التالية:-في تمام الساعة ( 10.43) العاشرة وثلاثة وأربعون دقيقة، من صباح يوم الأربعاء بتاريخ 21 ذو القعدة 1429ﻫ الموافق 19 تشرين الثاني/ نوفمبر2008ﻡ، دشن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أضخم مشروع استثماري صناعي والمتمثل بمشروع إنتاج الغاز الطبيعي المسيل من حقول صافر مأرب/الجوف، والذي سيتم تصديره من ميناء بلحاف على البحر العربي بمحافظة شبوة، ويقال أن هذا المشروع يعد \"المشروع الاستراتيجي الأول في اليمن والثالث في الشرق الأوسط \"(2). حيث بلغت تكلفت المشروع حوالي 3,700,000,000 مليار دولار، أي ما يعادل 740,000,000,000 تريليون ريال يمني، والمشروع عبارة عن خطين من الأنابيب الأول: من صافر إلى ميناء بلحاف طوله 322 كم وقطره 38 هنش، وينقل نحو 1.1 مليار قدم مكعب من الغاز المسيل يومياً، للتصدير الخارجي، والثاني خط فرعي من صافر إلى منطقة معبر بمحافظة ذمار طوله 170 كم، وينقل في المتوسط 100مليون قدم مكعب من الغاز يومياً للاستهلاك المحلي، بالإضافة إلى الخط القديم الممتد من مأرب إلى رأس عيسى على البحر الأحمر. المشروع الاقتصادي لتصدير الغاز الطبيعي من ميناء بلحاف محافظة شبوة (من المستفيد ؟؟؟).الجدير الذكر، أن الرئيس أعلن رسمياً على أن التصدير سيبدأ فعليا في شهر مايو 2009م، في حين تشير أكثر المصادر إلى أن أول شحنة لتصدير الغاز من ميناء بلحاف إلى الأسواق العالمية ستبدأ مع بداية العام 2009 ( أي بعد أيام معدودة) وسوف يتم تصدير مليوني طن سنوياً إلى الأسواق الآسيوية و 2.55 مليون طن إلى الأسواق الأمريكية (3). حيث تقدر كمية المخزون المكتشف للغاز المسيل بحوالي 17 تريليون قدم مكعب، وأن إجمالي الطاقة الإنتاجية المؤكدة تصل إلى 6,7 مليون طن متري سنوياً، وهو ما يكفي إنتاجه لمدة 20 عاماً، ويتوقع أن يوفر مشروع الغاز المسال للحكومة اليمنية خلال هذه السنوات من الإيرادات ما بين 30 – 50 مليار دولار أمريكي (4)؟؟. فضائح صفقات استثمار الغاز اليمني المسيل!!.. بقدر ما يتفاءل قطاع الفقراء من سكان اليمن المخدوعين بتصريحات مرؤوسيهم الأثرياء والموصومين بالغناء الفاحش، من وعود الخيرات التي سيجنون ثمار عائداتها من ثروات الوطن الموزعة مساحته بين الشركات المتعددة والمشكوك في هوية البعض منها، فإن المأساة وحجم الصدمة ستكون قاسية ومريرة، حينما يفاجئون بعد طول انتظارهم ونفاذ صبرهم، أن مخزون أرضهم من الغاز الطبيعي، قد استنزف، وحينها سيعلن فخامة الرئيس عن نضوب الغاز وتجفيف آباره عند نهاية الدورة الانتخابية القادمة!! مثل ما بشرهم حين أعلن قبل عامين عن نضوب النفط الخام في عام 2012، فيذهب أمل الشعب اليمني وتفائلاته الحالمة في سراب العدم. بينما البؤس وعوز الحالة الاقتصادية لبلادهم الفقيرة والمتخلفة ما زالت تحت خط الفقر دون أن ترتقي ولو إلى مستواه؟.وعندما نقول ذلك فأن دليننا على فضيحة استثمار الغاز يمكن استنتاجها بكل بساطة ووضوح من خلال حصص الشراكة بين الحكومة اليمنية الممثلة بالشركة اليمنية للغاز(**)، وليس وزارة النفط والمعادن!!، ومجموعة الشركات المساهمة في استغلال هذا المورد الاقتصادي الهام والمبينة في الجدول الآتي:-الشركة توتال الفرنسية هنت الأمريكية سي. كي CK كوجاز هيونداي الشركة اليمنية الهيئة العامة للتأميناتحصتها من الإنتاج (%) 39,62 17,22 9,55 6 5,88 16,73 5المصدر:- وزارة النفط والمعادن، مشروع تسييل وتصدير الغاز الطبيعي، www.soutalgnoub.com,.يتضح من الجدول أن حصة الشركة اليمنية للغاز تمثل نسبة 16,73% ، وهيئة التأمينات والمعاشات نسبة 5% وهذا يعني أن حصة اليمن تساوي 21,73% ، في حين حصة الشركات الغازية تساوي نسبة 79,27% ، وهنا تكمن الفضيحة بصورتها الجلية !!. فكيف سيكون الحال إذا افترضنا أن عائدات حصة اليمن من قيمة صادرات الغاز بالعملة الصعبة لا تورد بطرق رسمية إلى خزينة الدولة، وإنما تلتهمها عصابات الشركاء لما يسمى بالشركة اليمنية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تأتي فضيحة الفضائح والتي تتلخص في:-1- تشير التقديرات الرسمية أن حجم المخزون الاحتياطي لمشروع الغاز المسال هو 17 تريليون قدم مكعب، وبحسب التوقعات سيصل إجمالي الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من 7 مليون طن متري يومياً، ولمدة 20 سنة تبدأ بداية عام 2009 وليس كما أعلن الرئيس في شهر مايو القادم ؟؟.2- تمتد سنوات عقود اتفاقيات الاستثمار لمشروع الغاز مع الشركات العالمية لمدة 20 سنة، أي نفس الفترة التي يتوقع خلالها إنتاج اليمن للغاز !! أذن ما هي النتيجة ؟؟؟ أنها بكل مرارة وحرقة ندم تعني تجفيف حقول الغاز، وبعدها ترحل الشركات بإرباحها الخيالية وتسلم المشروع العظيم أطلالا من ثقوب الأرض المنهوبة. 3- يلاحظ أن شركة توتال الفرنسية لها نسبة 39,62%، وكما نعرف عنها أنها الشركة المتورطة بفضيحة النفط مقابل الغذاء في جريمة نهب البترول العراقي، وهي المحتكرة لحصص استثمار النفط والغاز في محافظة شبوة، وأن شركة هنت الأمريكية هي المستثمرة للنفط والغاز في قطاع مأرب/ الجوف، فكيف دخلت توتال في المشروع ؟؟ ولماذا استأثرت بهذه النسبة المرتفعة؟؟ أليس في ذلك شك أن يكون معظم الغاز المسيل ينتج من حقول شبوة ؟؟؟.4- من خريطة أنتاج الحقول للغاز الطبيعي، يتبين لنا أن حقل قطاع جنة الواقع أساسا في محافظة شبوة يعد أكبر الحقول التي منها ينتج الغاز وينقل إلى وحدة الكامل للمعالجة بمحافظة مأرب، ومنها يتم توزيع كمية الإنتاج بواسطة الأنابيب الضخمة إلى كل من ميناء بلحاف للتصدير الخارجي، وإلى معبر بمحافظة ذمار للاستهلاك المحلي، وهو الأمر الذي يكشف ويعري أساليب التضليل والخداع للسلطة الحاكمة التي تدعي على أن الغاز كله من أنتاج حقول صافر بمأرب، ودليلنا في ذلك انظر إلى خريطة الحقول المبينة أدناه..خريطة حقول أنتاج النفط والغاز الطبيعي وشبكة أنابيب نقله.. فهل بإمكانكم يا أبناء اليمن في الداخل والخارج أن تنقذوا بلادكم وخيرات أرضكم من النهب والعبث الرسمي؟؟ وإلى متى سيستمر سكوتكم وخيبة أملكم في نظام سياسي فاشل وفاسد استنزف نفطكم طوال 24 عاما ، ومع بداية العام الجديد سيبدأ بتجفيف ما يختزنه وطنكم من كميات ضخمة بالغاز الطبيعي ؟؟.
(*) تعاقدت شركة هنت الأمريكية عام 1981 مع نظام الحكم في (ج.ع.ي) على امتياز التنقيب عن النفط والغاز في قطاع 18 مأرب/ الجوف، وبدأ إنتاج النفط في عام 1984 والغاز الطبيعي في عام 1986م، وكانت مدة سريان الاتفاقية بعشرين عاما، تنتهي عام 2005 وبعدها يصبح القطاع مملوكا للدولة اليمنية، ولكن لم تقبل شركة هنت بتسليم قطاع مأرب، إلا بعد محاكمة مشبوهة في العاصمة البريطانية لندن، لم يعرف عن خفايا وأسرار تلك المحاكمة غير المسؤؤلين الموقعين على عقود صفقات الشراكة معها؟؟(1) انظر ملخص تقرير مجلس الوحدة العربية، على شبكة التغيير نت،(2) خط الأنابيب الرئيس ينقل الغاز لمحطة تسييل الغاز الطبيعي بمعدل 1,1 مليار قدم مكعب في اليوم الواحد،استطلاع محمد عبد العليم، صحيفة الأيام، العدد (5580)، الصادرة يوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2008، ص3.(3) شركة الغاز المسال: سوف يبدأ تصدير أول شحنة إلى الأسواق العالمية بداية عام 2009م، صحيفة الأيام، العدد(5582)، الصادرة يوم الخميس 18 ديسمبر 2008، ص8.(4) الغاز المسال الانتقال من الإنشاء إلى التشغيل، انظر الموقع، www.almotamar.net/news/65110.htm.(**) الشركة اليمنية للغاز والمسماة شكلياً LNG Company Yemen أو يمن إل. إن. جي (YLNG) هي كما يعتقد شركة تشبه تماما المؤسسة الاقتصادية العسكرية أو (اليمنية)، لا تخضع ملكيتها للدولة ولا تتبع جهة معلومة ، ولا تعرف هويتها الحقيقية، وربما هي شركة خاصة يمنع الاقتراب منها ؟؟؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق