قد يتساءل البعض عن ما يدور في اجتماعات الحراك السلمي الجنوبي في ( يافع ) خلال الثلاث الأيام الماضية . والحقيقة الساطعة في ذلك الأمر , إن قوى الحزب الاشتراكي في قيادة الحراك تقف حجر عثرة أمام أي تزحزح لتلكؤ نضال شعب الجنوب وحراكه السلمي وإبقاءه في حالة شلل دائم " حـــراك بــدون حـــركة " كما هو حاله منذ أكثر من عام ونصف , لخدمة مصالحة في مفاوضاته مع سلطة الاحتلال . فهل يعقل أن يظل الحزب الاشتراكي اليمني يحكم الجنوب من لحـده كما هو حال الإمام وحكمه للشمال من قبـره ؟ .
بعد أكثر من أربعة أشهر من التواصل والعمل المضني بالتنقل بين المحافظات , بقيادة بعض إخواننا المناضلين الذين خرجوا من زنازين الاحتلال , تم التوصل إلى توافق على عقد اجتماع , فطلب هؤلاء الإخوة من أبناء يافع استضافته وكان لهم ما طلبوه , وتمت الترتيبات اللازمة لعقد الاجتماع , وفي اللحظات الأخيرة تخلف عن الحضور كلا من الإخوة المعنيين بهذا الاجتماع وهم : صلاح الشنفره , عبده المعطري , عبدالله الناخبي , صالح يحي سعيد , عيدروس حقيس . بحجة التزامهم بالاتفاق المبرم من قبل القيادات التاريخية مع حميد عبدالله بن حسين الأحمر , وما زالت الجهود تبذل لإقناعهم بالحضور حتى اللحظة . وفي حالة عدم حضورهم , فسوف يعقد الاجتماع بدونهم وإعلان القرارات المتفق عليها معهم مسبقاً ومع القائد شيخ المناضلين حسن احمد باعوم قبل اعتقاله ( فك الله أسـرة ) والشيخ عبدالرب النقيب والشيخ طارق الفضلي ومع بقية الإخوة المناضلين في الجنوب المحتل .
ففي مثل هـذه الظـروف والأوضاع التي يمـر بها شعـب الجنوب اليـوم , يقع المواطـن الجنوبي في حيـره من أمـره فهو لا يـرى سبـبا وجيها لتعـثـر نضاله الشعبي بقيادة مجلس الحراك السلمي الجنوبي , فالمبدأ الاستراتيجي المتعلـق بجـوهـر القضية الوطنية الجنوبية كان قـد حُسِم قبل أكثـر من عامين ( فك الارتباط والاستقلال واستعادة الدولة ) , ولا أحـد يعلم حقيقة أسباب ودوافع وخلفيات ذلك التعثر والركود الذي طالما أفـرح نظام الاحتلال وخصوم الحـراك السلمي الجنوبي من المستفيدين والمـراهنين على إفشال المشـروع الوطني الجنوبي , على أساس المبادئ والأهـداف المبينة أدناه .
يلـزمنا القول إن أهـم أهداف التسامح والتصالح هي رأب الصدع ولم الشمل وتضميد الجراح والارتهان الكامل للقضية الوطنية الجنوبية على أسس ومبادئ التحرر والاستقلال واستعادة الدولة , باعتباره واجب وطني يحق لكل المناضلين والوطنيين الجنوبيين دون استثناء المشاركة بالعمل على تحقيقه , هذا المبدأ يجـب أن يمثل حجر الزاوية للالتقاء مع الآخرين في مسيـرة النضال المشتـرك . ولأن ذلك عملا يتطلب جهداً كبيراً نظراً لحجم المهام ولأهمية الأهداف واتساع ساحة النضال ومجالها وتعدّد وتنوع المشاريع المضادة , فلابد لنا من اعتماد أداة ووسيلة عملية وعلمية صحيحة , فالغاية النبيلة لابد أن تتحقق بوسيلة نبيلة وعلينا الاتعاظ مما حصل مع جيل الآباء الأولين بعد الاستقلال عام 1967 م .
إن الإدعاء وحَـدّة بتحقيق التصالح والتسامح الجنوبي / الجنوبي والسعي من خلاله إلى إعادة بناء وتلاحم النسيج الاجتماعي الجنوبي , وتبني مشـروعة الوطني بفك الارتباط والاستقلال واستعادة الدولة والتمكن من حمل القضية الوطنية الجنوبية إلى بـر الأمان , لا يكفي . . ويظل إدعاء ما لم يقتـرن بالبـرهان العملي من خلال الممارسات التطبيقية والسلوك العملي الملتزم بأهـداف ومبادئ شعـب الجنوب , فالعاطفة والأنانية والنظـرة الضيقة لن تساعدنا في التغلب على حـل المشاكل وتدبيـر الأمور بـل تـزيد الطيـن بـلـه .
فالمشكلة التي تواجـه مجلس الحـراك السلمي هي أعمق من مجـرد خلل في تطبيق السياسات التنظيمية , إنما هي مشكلة تتعلق في صميم البناء التنظيمي والإطـار الهيكلي لقيادة المجلس , ومن الملاحـظ أن توجهات البعض منهم السياسي والفكـري لا تتوافق مع المشـروع الوطني الجنوبي القائم على الأسس والمبادئ والأهداف التي يتبناها الحراك والشعب , ولا مع متطلبات المرحلة النضالية الحالية أو مع حجم المخاطـر والتحديات التي تواجه الشعـب الجنوبي اليوم .
لقد قام الحـراك السلمي الجنوبي ملبيا لحاجة موضوعية لشعـب الجنوب , منبثقا من معاناته الطويلة مع الظلم والاحتلال , وكما كانت البداية مجـرد آمال تبلورت في عقـول طلائع الشعب الجنوبي من سياسيين ومفكـرين ومثقفيـن وغيـرهم , أتـت من مختلف شـرائح المجتمع حتى أصبحت فكـره لمشروع تحـرر وطني حقيقي . . وهنا يجب أن نتساءل مع أنفسنا جميعا , هل نؤمن فعلا بما نقول أو أننا نقول ما لا نفعل ؟. لأن الفكر ليس مجرد كلام منمق نخطه على ورق وإنما هو مشروع للتجسيد على أرض الواقع , فكما كانت البداية مجرد فكرة لآمال تؤرقنا فلابد من أن نبحـث اليـوم لهذا المشـروع الـوطني عن آليات حقيقة لتجسيدها على أرض الواقع . . على أرض الجنوب الأبي الذي يعلـق شعبها آمالا كبيـرة على وعـود مجلس الحـراك السلمي لتحقيق مشـروعـة الوطني وليس على خلافات أعضاءه من القيادة , لأن هـذا يعني ضياع مشـواره الذي قطعة خلال السنوات الماضية بسبب خـلافـات هي أهون من أن تكـون خـلافـات حقيقية أو أنها تعني مصلحة الشعب , لينتهي به المطاف حائـرا بيـن بطش همجية الاحتـلال وكيـد الانهـزاميين والمغـرمين بالـوهم الـوحـدوي .
وعلينا أن نسعى لتحقيق توازن حقيقي داخل مجلس الحـراك السلمي الجنوبي بين حدود الرغبات الذاتية وضبطها بتحديد صلاحيات مختلف المراتب القيادية بصورة واضحة وصريحة , وبين الأسس والمبادئ والأهداف والمهام التي قام عليها مجلس الحـراك , وكذا تنظيم وترتيب وضبط كل أشكال العلاقة بين الخارج والداخل من خلال التحلى بالصبر والاستعانة بقوة الأيمان على عـدالة قضيتنا وتعلم معنى التحـدي والاعتماد على قدراتنا وبناء رابطة تـواصل عملية تجمعنا وتوحـد جهودنا تحت كظلة واحـدة , مبنية على أسس قوية عمادها الثقة المتبادلة والتفاتي والإخلاص للقضية الوطنية الجنوبية ( الشعب والوطن ) وتحقيق الصالح التنظيمي والوطني العام قبل الخاص .
لهذا , واحتراما للشعــب الجنـوبـي الأبـي الـذي يسطّــر أروع مـلاحـم التضحيـة والفـداء مـن أجـل استعـادة الـوطـن المسلـوب , رافعـا بذلـك هـامـات العــز والفخــر عـاليـا متحـديـا ظلـم وقهــر الاحتـلال , فإن الواجـب الوطني والمسئولية الوطنية تلزمانا بالسعي لمعـرفة أسباب تعـثـر مسيـرة نضال الشعب الجنوبي , ممثلا بتعثـر نضال مجلس الحـراك السلمي الجنوبي . . والبحث عن سُبـل لإخـراجـه من وضعه الحالي , ونـراها كالتالي :
أولا : أسباب التعثـر والتلكؤ
1 ــ التدخل القوي غيـر المباشـر لأحـزاب اللقاء المشتـرك ( جميعها ) بالقضية الوطنية الجنوبية , خصوصا في محافظات عـدن ــ شبـوة ــ حضـرموت , والتنسيق مع النظام على عـرقلة نشاط الحـراك وإفشاله وفق خطط وبرامج متفق عليها .
2 ــ تدخل الحـزب الاشتـراكي اليمني المباشـر في شـئون الحـراك السلمي والقضية الوطنية الجنوبية , وتوظيف خبـراته التنظيمية والإعلامية والدفع بإمكاناته السياسية والمالية , بما يتوافق مع مصالحه وأهـداف المشترك ويخـدم الخطط والبرامج بالتنسيق مع النظام في معـركته مع شعـب الجنوب وحـراكه السلمي المنادي بفك الارتباط والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية .
3 ــ تدني الوعي الشعبي , وعـدم إدراك المواطن الجنوبي لخلفيات التباينات وأسبابها أو الانتباه لوجـود أكثـر من مشـروع على الساحة السياسية الجنوبية . وسهولة الاختراق من خلال أربع ثغـرات , هي : 1ــ حـراكيين جهلّة وغير نزيهين . 2 ــ مندسين من قبل نظام الاحتلال . 3 ــ المصطادين في الماء العكـر باستقلال انهيار الأوضاع الأمنية وغيرها , عناصر الحزب الاشتراكي اليمني المسيطرة على قيادة الحراك .
4ـ الخلاف الجنوبي / الجنوبي القائم بين اتجاهات ومكونات وقيادات الحراك , واعتقاد جماهير الحراك والشعب الجنوبي خطأ , أنه خلاف تنظيمي يتعلق بعدم الاتفاق على المواقع القيادية في هيكلية مجلس الحراك التنظيمية , بينما هو في حقيقة الأمـر خلاف سياسي / فكري إيديولوجي , يتعلق ( بعقدة ) المبادئ والأهداف التي نشأ وناضل من أجلها الحزب الاشتراكي اليمني مع ما يسمى ( بالقوى الوطنية اليمنية ) , الواقفة اليوم مع المحتل ضد إرادة شعب الجنوب .
هذا الخلاف يمثل عقبة كأداء في طريق توحيد قوى الحراك السلمي الجنوبي والعمل تحت مظلة واحدة على أسس وطنية جنوبية . . فهو يمارس بالخفاء لا يظهر للعلن ولا تبان حقيقته لعامة الناس , وذلك تهربا من الإفصاح عن المنهج الإيديولوجي كونه مضاد للأسس والمبادئ والأهداف التي يناضل من أجلها شعب الجنوب ممثلة بفك الارتباط والاستقلال واستعادة الدولة , ويتناقض تماما مع الشعارات التي يتبناها ويرفعها الحراك في الخطاب السياسي المعلن . فالخلاف في ظاهرة تنظيمي لكنة في حقيقة الأمـر خلاف إيديولوجي بأمتياز .
5ـ انتقال سلطات نظام الاحتلال في مواجهة الشعب والحـراك الجنوبي إلى مرحلة مختلفة ومتطورة , فعملت على تصعيد الصراع من خلال شن حملات أمنية وعسكرية على مناطق مختلفة من الجنوب وفرض طوق لعـزل المحافظات عن بعضها البعض خصوصا عدن لحج أبين , وإلصاق مصطلح القاعدة على معظم عملياتها في حربها ضد شعب الجنوب . هذا التحول في سياسة الاحتلال بالتصعيد الأمني والعسكري لم يقابلها سياسة مضادة موحدة ومدروسة ومتفق عليها بسبب أزمة
الخلافات المشار إليها أعلاه . . إنما عمل عشوائي غير منظم بجهود ذاتية لا قيمة لها , فالناس غير مهيأة ولا مستعدة حتى على تفعيل النشاط بالمواجهة سلميا , لعدم توفر الإمكانات أو لصعوبة تنظيم الشحيح منها .
6 ــ الجهل المسيطر على جزء كبير من شعب الجنوب وجماهير الحراك الجنوبي , وتدني الوعي بالواجبات الوطنية الملـزمة للفرد والجماعة في حال تعرض الوطن للاحتلال والشعب لنوائب الدهر , فالفساد عند البعض منهم أصبح ثقافة مزدهرة كما الهشيم نارا مستعـرة , ونخشى أن يمس القضية الوطنية الجنوبية شيئا منه , فإذا كان للفساد في اليمن تاريخا مدويا , فهو يأخذ اليوم أبعادا أوسع ومدى أطول قد يدفع بالبعض إلى التجرد عن قيمه الوطنية . مما يؤدي إلى الإغـراق .
7ــ التأثير السلبي للخلافات المستمرة في الخارج , وفعلها القوي على تفتيت المفتت وتجزئة المجزئ . هذا الأمر يضعف نشاط وعمل الحراك ويزيده ضعفا ووهنا فوق الضعف والوهن الذي يشكو منه .
8ــ التباينات القائمة حول دور ومشاركة شرائح وفئات المجتمع في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية , ليتم على ضوءها تحديد ملامح وتكوين دولة المستقبل سياسياً واجتماعياً وثقافياً , وذلك لصلتها الوثيقة بالماضي . ورغم الغموض الملتف حول التباين عند عامة الناس إلاَّ إنه أدى إلى تشويه صورة الحراك وإلى التلاعب بطبيعة صراع القوى الوطنية الجنوبية مع نظام الاحتلال الذي يسير عكس مجرى التاريخ .
9ــ النزعة الذاتية المتأصلة في أنفس بعض قادة الحراك المنسوبين إلى الثقافة الشمولية , نتيجة استمرار التفكير بعقلية الماضي المتأثر بالإملاءات وإلغاء وتهميش الآخر وممارسة الوصاية على الشعب . لعدم التخلص من الإرث السلبي للتجارب الماضية , ومنها البحث عن إبراز الأدوار والتفكير بحسابات تمييزية , حزبية , فئوية , مناطقية , غير واقعية , واستباق مراحل لم يحن أوانها .
10ــ افتقاد الحراك السلمي إلى العمل المؤسسي بحيث تكون له قيادات شرعية معروفة تقود وتنظم نضال شعب الجنوب , ووثائق شرعية معتمدة تلزم القيادة وكافة أطـر مجلس الحراك التقيد بها والعمل تحت سقفها .
11ــ عدم اكتراث جزء هام من المجتمع الجنوبي بما يجري حوله , وكان لا علاقة ولا مسئولية له بما يجري , وأن مستقبلة ومصير وطنه قد سُلّم لغيرة يفعل به ما يشاء . وافتقاد يقضه الحس النضالي عند كثير من المواطنين , أو الشعور بالواجب الوطني والذود عن مصيره وعن مستقبل الشعب , وعدم التفريق بين المصلحة الخاصة والمصلحة الوطنية العليا .
12ــ مبالـغة الكثيـر من قيـادات وقواعـد الحـراك السلمـي فـي تقديـر إمكاناتهـم وقدراتهـم الفكريـة والسياسيـة والميدانيـة التطبيقية , ضناً منهم أن هناك مصلحة مادية خاصة قد تفوتهم وتذهب إلى غيرهم إذا لم يلجئ إلى المبالغة . هؤلاء يعانون من المعرفة الناقصة في جميع المجالات , وهذا الأمـر أشد خطراً من الجهل المعرفي , لأن صاحب المعرفة الناقصة المدّعي بالدراية والمعرفة والفهم مكابر بطبعه لا يقتنع إلاّ برأيه مهما كان مخطئ ولا يتقبل أخذ المعرفة من الآخرين . فهي مشكلة مزدوجة يصعب علاجها .
13ــ تأثير الحملة الإعلامية المضادة لنظام الاحتلال واللقاء المشترك والصحف الأهلية الشمالية , واستخبارات الاحتلال المعادية للحراك والهادفة إلى زعزعت الثقة بين قادة الحراك وقواعدها وإلى إضعاف أساليب النضال وتشويهها بزرع القائمين بهذه المهمة التدميرية في أوساط الحراك .
14ــ الخلط البـيّـن والعبثي من بعض قادة الحراك بين الوسائل والغايات إلى درجة أن التباين على الوسيلة قد استنفد منا جهداً وصراعاً عميقين ونسينا من جـراء ذلك أن ننظر إلى الغاية بالجـديّـة اللازمة , بل غابت عنا الغايات وتلاشت بسبب هذا التباين وفـرّطنا في الغايات نفسها في بعض الأوقات , وما زال بعضنا مع الأسف الشديد يقوم عن جهل وقصر نظـر بالخلط بين الوسائل والغايات .
إن البناء السليم والإجراء المُفترّض إتباعه لتأسيس عمل وطني مؤسسي , يحمل مبادئ وأهداف تعبّر عن الإرادة الشعبية والوطنية ويحتضن قضية بأهمية القضية الوطنية الجنوبية , لابـد وأن يقوم على أسس وقواعد ترتقي إلى مستوى المعايير المقبولة في العمل المؤسسي تنظيميا وسياسيا ووطنيا , مثل : التنظيم ــ التأطير ــ الســرّية ــ الأسلوب ــ الوسيلة ــ الهيكلة ــ اللوائح ــ المهام ــ الانضباط ــ الالتزام ــ الخ ... والتوقّـف عن إتـّبـاع الوسائل والأساليب العشوائية التي ألحقت ضررا فادحا بالعمل على مستوى الداخل والخارج , والتقيد بالتنسيق والتواصل عبر الأطـر التنظيمية المعتمدة , والالتزام المطلق بالانضباط الصارم كما تنص علية الأنظمة واللوائح الداخلية , حسب الآليات المحدّدة وضمن الهيكل والإطار التنظيمي .
فالتأسيس لمجلس حـراك سلمي منظم نخوض تحت قيادته وضمن إطاره نضالنا في مقاومة الاحتلال . . تفرضه علينا طبيعة الظروف والأوضاع الحالية . . والحاجة لنواة قادرة على تأسيس ثقافة سياسية جنوبية تقوم على الاعتراف بالآخر , وتصحيح الخلل والخلط الحاصل بالمفاهيم والقيم الاجتماعية والسياسية على مستوى : الوعي بالحس الوطني ــ الشعور بالواجب والمسئولية الفردية والجماعية ــ إتباع السلوك والعلاقات الأخلاقية والإنسانية ــ العودة للتعامل بضمير حي في الشئون الخاصة والعامة ــ التعـوّد على الانضباط واحترام الأنظمة واللوائح والقـرارات ــ وغيرها من المفاهيم المطلوبة في العملية النضالية . . وهي ضرورة حتمية لقيادة وتنظيم شعب الجنوب واستعادة هويته وتاريخه ووطنه . فالإطار السياسي المنظم الفاعل والمنضبط سيحـرّك الجمود الفكري وينهي الركود الشعبي ويكسر الحواجز النفسية وينهـي العـوائق الشمولية ويخـرج الشعـب والوطـن مـن محـنـتـه ومعـاناتـه الحاليـة والتقـدم بـه نحـو تحقيق أهـدافـه .
إن بنـاء إطـار مؤسسـي مُنظّـم ومنضبط , على أسس وطنيـة جنوبيـة خالصـة بشراكـه ومشاركـة واسعـة من كل شرائـح المجتمـع ومـن كافـة محافظـات الجنوب هو عمل مطلوب وطنياً وسياسياً للتمكن من مواجهة المحتل بإمكاناته المتفوقة , وحتى نكون أكثر موضوعية وملامسة للواقع فإننا نستطيع القول , إن هناك عدد من الشروط يجب أن تتوفر عند القيام ببناء وتأسيس الأعمال والمشاريع , وتُـعـد لُكُل مشـروع يرجو لهُ النجاح ( أيا كان مجاله ومهما كان صغيراً ) خُطة مدروسة جيداً مبنية على مجموعة من العناصر والمقومات كامتلاك الأداة والوسيلة والقدرة الذاتية والإرادة , وإذا كان العمل سياسياً أو اجتماعياً فيشتـرط اقتناع القائمين بتنفيذ ذلك العمل على الالتزام والارتهان لخدمة المشـروع وقبول الاهتمام به , ومن أوساط هؤلاء يتم اختيار أصحاب الخبرة والكفاءة والأمانة والنزاهة لإدارته , وفق أسلوب يتناسب يتوافق مع القـدرات والإمكانـات ومجـال العمـل والظـروف المحيطـة به ليصبـح العمـل جـزء منهـم وحقيقـة واقعـة في حياتهم .
وعلى قيادات الحراك السلمي الجنوبي أن ترتقي بمواقفها إلى مستوى الإرادة الشعبية , وأن تتبني مواقف قادرة على صناعة المجد القادم , وعليها التراجع عن أي مواقف تضنها صائبة بينما هي تخالف مبادئ وأهداف شعب الجنوب , والعودة للاستفادة من أفكار وآراء سياسيين ومفكرين جنوبيين يقتدي بهم , ويـرون إن من أولى مهام قيادات الحراك الاتفاق على المبادئ والأهداف التي تمثل إجماع وطني , وتعتبر من الضرورات الملحّة لنقل النضال من مرحلته الحالية الراكدة والحرجة إلى مرحلة العمل الجماهيري المنظم والنضال الجماعي في كافة مناطق الجنوب . ونوضحها كالتالي :
سُبـل الخـروج من الوضع الحالي
1 ــ استخدام كافة الوسائل المشروعة لمواجهة التحديات متمثلة بالأفكار والخطط والمشاريع التي تحاك ضد الحراك السلمي الجنوبي والجنوب عامة , ومناقشة هذه الوسائل بقلب وعقل مفتوحين دون أن تغيب عنا الغايات .
2 ــ أن نعمل معاً ونجعل من مبدأ التكامل والتعاون هدفاً لخدمة القضية الوطنية الجنوبية . . ومن تضامنا وفاءاً للوطن الجنوبي بحيث تكون لتلك الأهداف وسائلها وخطواتها وأولها القبول والاعتراف بالتشخيص الحقيقي للواقع من أجل سهولة التعامل معه .
3 ــ توظيف الخبرات المعرفيـة المتوفـرة لدى الجميع لبناء إطار سياسي منظم يقوم على هيكلية منضبطة يكون قادر على قيادة شعب الجنوب إلى تحقيق أهدافه وإدارة الصراع مع المحتل .
4ــ الأخذ بالقاعدة المعروفة ( السياسة فن الممكن ) وعدم البناء على الوهم والتخمين , خصوصاً إذا كان العمل مرتبط بمستقبل شعب ومصير وطن .
5ــ يجب قراءة التاريخ قراءه صحيحة ومنصفة بعيداً عن العواطف أو التحيز أو المبالغة أو الرغبات الخاصة , بهدف المعرفة الحقيقية لأحداث وتجارب الماضي والاستفادة من دروسها واستخلاص العبر منها . فالاستنتاج الصحيح يساعد على بناء الموقف السليم واتخاذ القرار الصائب في المواضيع والقضايا المختلفة .
6ــ الحرص على كسب ثقة الجماهير والحفاظ على تفاعلها وزخمها النضالي من خلال الطرح السليم القادر على الإقناع والقائم على المصداقية والموضوعية والخطاب السياسي المقبول , الملتزم بمبادئ وأهداف شعب الجنوب وبالقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية .
7ــ تجـنب قيادات الحراك السلمي الجنوبي المبالغة في خطابها السياسي ويستحسن أن تكون الخطابات مكتوبة ومختصرة , وعدم التصريحات غير الضرورية المبالغة بالقول عن فعل أعمال لا يمتلك الحراك السلمي الأدوات والمناهج والإمكانات القادرة على تنفيذها .
8 ـ الحوار والتواصل مع كل من يؤمن بفك الارتباط والاستقلال واستعادة الدولة للنضال معا على تحقيق الأهداف التي ينشدها شعب الجنوب وتفعيل النضال السياسي في الداخل والخارج .
9 ـ إقـرار مشروع البرنامج السياسي الوطني المقدم من لجنة الصياغة , فهو يؤذن برسم المستقبل وتحديد المصير , ويستلهم نصوص فقراته من روح الإسلام ومن وحي الحرية وقيم الديمقراطية ومن مبادئ حقوق الإنسان . فقوة الشعوب والأوطان في عالم اليوم تأتي من قوة مشاريعها السياسية الوطنية ومن الالتزام بها والقدرة على تنفيذها .
10ــ وضع برنامج وطني جنوبي مقاوم , ضمن استراتيجيه الحراك السلمي , بالانطلاق من تصور عقلاني يعرّف الوسيلة والهدف والممكن وغير الممكن لها ثلاثة عناصر هي : 1- ماذا نقاوم ؟ 2- كيف نقاوم ؟. 3- لماذا نقاوم ؟.
11ـ توظيف المعرفة والأعلام بشكل مهني , لاستنهاض همم الفرد والمجتمع . وإعلان الحقائق بكل صدق وأمانة وشفافية . فهناك جزء لا يستهان به من المجتمع الجنوبي , مازال غائباً وخارجاً عن الفهم الحقيقي للقضية , هؤلاء يقفون وكأن لا علاقة ولا مسئولية لهم بما جرى ويجري اليوم . . وأن أمورهم قد سُلمت وإلى الأبد إلى غيرهم , يفعلون نيابتاً عنهم ما يشاءون ويقررون مستقبلهم ومصيرهم كما يشاءون , بالرغم من رفضهم المطلق لهذا الواقع , ووقوفهم مع القضية الوطنية الجنوبية .
12ـ التأكيد على رفض الأحلام المستنجدة بالماضي قولاً وعملاً , من أياً كان - شخص - فئة - جماعة - منطقة أو حزب , ومن أي زمان جاءت أو مكان أتت . فالقضية وطنية والوطن للجميع .
13ـ التأكيد على رفض الممارسات المناقضة للمواقف المعلنة لكل قيادات مجلس الحراك السلمي , أو المتناقضة مع مبادئ وأهداف وتطلعات الشعب الجنوبي . والالتزام بمبدأ توافق وتطابق المواقف المعلنة المتفق عليها في المجلس مع الممارسات العملية , بكل ما يتعلق بالقضية الوطنية الجنوبية , وتحديد المصلحة الوطنية الجنوبية العليا مرجعاً ومعارا يلتـزم به جميع قادة الحـراك في كل الحالات والأوقات .
14ـ التأكيد على رفض الإقصاء - التهميش - التخوين أو ما يسيء إلى وطنية المواطن الجنوبي إلاّ بدليل واثبات .
15ـ ترميم النسيج الاجتماعي المتآكل , وذلك بتفعيل مبدأ التصالح والتسامح على كافة المستويات الشخصية والجهويه والمناطقية والحزبية قولاً وعملاً . فالتصالح والتسامح نبيلاً في معناه , أخلاقياً في أهدافه , قدّم فرصة كبيرة لا تتكرر للوطن أولاً, وثانيا لجميع القوى السياسية والاجتماعية الجنوبية , وهو يعني التصالح مع الآخر المختلف معه , وتسامح المظلوم مع الظالم , والحاكم المستبد مع شعبة , لتطوي صفحة سوداء بكل ما خلفته صراعاتها المريرة . . وليتم فتح صفحة جديدة بيضاء تكون خالية من الإرث السياسي الملوث .
16ــ ضرورة إقرار وثائق مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب التنظيمية والسياسية المقدمة من لجنة صياغة الوثائق , الموضحة للعلاقات الداخلية والخارجية , الدالة على الهوية الوطنية , المحددة لشكل الدولة المستقبلية ومضمونها , وإشهارها وترجمتها إلى اللغة الانجليزية , ونشرها وتزويد المعنيين الإقليميين والدوليين رسمياً بنسخة منها , حتى يطلع الآخرين عليها ومعرفة من نكون وما هو نهجنا القادم وطبيعة دورنا في المستقبل ؟ وأزالت أي لبس أو مخاوف إقليمية ودولية .
17ـــ ضرورة إقرار الوثائق الداخلية لمجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب التنظيمية والسياسية المقدمة من لجنة صياغة الوثائق , مثل النظام الداخلي , الهيكل التنظيمي , البرنامج السياسي الوطني , وكافة اللوائح الداخلية المطلوبة لتنظيم نشاطه وعلاقات أعضاءه التنظيمية , والمحددة لأطره بمختلف مستوياتها , والمنظمة لآليات عملة ونضال الشعب الجنوبي المقاوم في كافة المجالات .
18ـــ العمل على التحضير لعقد مؤتمر وطني جنوبي يتمثل فيه شعب الجنوب على أسس واعتبارات وطنية صحيحة , تشارك فيه شرائح وفئات المجتمع من كل المحافظات الجنوبية , بعيداً عن الاعتبارات الحزبية أو المناطقية التي لا يجني من وراءها شعب الجنوب إلاّ الويلات والمآسي والتشتت , وإقرار الوثائق واللوائح والنظام الداخلي , وإشهار قيادة سياسية شرعية تمثل شعب الجنوب وقضيته الوطنية الجنوبية العادلة خير تمثيل .
19ـــ تأسيس دائرة تختص بالسياسة الإعلامية لتحديد وتنظيم الرؤية الداخلية القادرة على توعية قواعد وأنصار الحراك السلمي الجنوبي والرؤية الموجهة إلى خارج الحراك , وتنظيم آليات العمل الإعلامي والبحث عن تطوير إمكانياته الداخلية والخارجية , وانتقاء مفاهيم ومصلحات وتوصيفات الخطاب السياسي الموحد , الموجّه إلى الداخل وإلى الخارج , بحيث تلبي حاجة الواقع المعاش ومتطلبات الظروف والمتغيرات وتطوير الحراك .
20ــ تأسيس دائرة تختص بمتابعة أوضاع أســر الـشـهــداء والـجــرحـى والأســرى , وتقديم الدراسات والآراء إلى قيادة الحراك عن المهام المطلوبة في تنظيم ومتابعة أوضاع الجرحى والمعتقلين وأســر الشهداء , وكيفية الاستفادة من القيادات والكوادر الجنوبية في أجهزة السلطة لأداء الأدوار المناسبة في هذه القضية . بحسب الإمكانات المتاحة .
إن الحراك السلمي الجنوبي يمر اليوم بمرحلة صعبة وحاسمة , وسوف يسفر عن هذه المرحلة وضوح كامل لمجمل التباينات الحاصلة بين قيادات الحراك , وستحصل عملية فرز وغربلة لكل شخص وعضو حراكي أو قيادي جنوبي وتحديد المواقف من مختلف القضايا وحسم خيار المشاريع والشعارات المرفوعة دون مراوغة . فأمّا خيار الحراك السلمي الجنوبي وشعب الجنوب بالتحرر والاستقلال وفك الارتباط واستعادة الدولة وإمّـا خيار البقاء تحت نـيـر الاحتلال أو فيدرالية أحزاب اللقاء المشترك اليمنية . إنها مرحلة تحديد معالم الطريق ومستقبل شعب الجنوب ومصير وطنه .
وعلينا الاتعاظ والاستفادة من عبر الماضي والتأسيس لثقافة وعلاقات مستقبلية جنوبية / جنوبية جديدة , أساسها تجنب ما يؤدي إلى تكرار التشتت والفرقة والانقسام , بحيث تكون تلك الثقافة خالية من الإرث السياسي الملوث أو اللجوء إلى أساليب تتنافى مع المصلحة العامة العليا للشعب الجنوبي , وإنما ثقافة تعمل على تحقيق التوحـد الوطني الجنوبي والاتفاق على إستراتيجية وطنية موحدة وبرنامج سياسي وطني واحد والعمل في إطار كيان وضمن قيادة وطنية جنوبية واحدة . فالمماحكة والتجاذب الطارئ على ساحة العمل الوطني قد عطل نشاط الحراك السلمي وولّد في الجسد الجنوبي المنهك أصلا كثيراً من الوهن ونقاط الضعف , حيث انعكس التأثير على معنويات جماهير الحراك والشعب الجنوبي , وربما يأخـذ مـدى أبعـد فيصبح خطر يهدد مستقبل ومصير القضية برمّتها .
الحراك سوف يستمر إلى أن يحقق الهدف المنشود , لكن علية التخلص من رواسب الماضي أولا .
العهد لشعب الجنوب الأبي .
الوفاء لشهداء الجنوب والحراك السلمي .
أولا خلي الكتابة واظحة نص الكلام ممسوح
ردحذفثانيا أعترف إنك يمني