(( يا أبناء الجنوب انتظروا ))
د. محمد حيدره مسدوس
بما ان بعض الجنوبيين مستعجلين على حشر قضيتهم الوطنية في قضايا الشمال السلطوية ، فأنني اطلب منهم الانتظار ، لان مثل ذلك دفن لها . صحيح ان كل الجنوبيين مخلصون لها ، و لكن السياسة لا تبنى على حسن النوايا ، ناهيك عن تاريخنا الذي يقول بأننا لم نختلف قط على الأهداف ، و لكننا لم نتفق قط على المناصب التي لايجوز الاختلاف عليها بعد الاتفاق على الأهداف . حيث ان المناصب هي من المسائل التنظيمية التابعة للأهداف . و لهذا و خوفا على القضية الوطنية الجنوبية من تكرار أخطاء الماضي ، فانه لابد من توضيح التالي :
اولا: ان كل القوى السياسية في السلطة و المعارضة و حتى ثورة الشباب في الشمال تعتقد بأن الواقع تابع للسياسة ، و انه كيفما تكون السياسة يكون الواقع . و لهذا فقد ظلت هذه القوى و مازالت تعمل على خلق سياسة دفن لقضية الجنوب اعتقادا منها بان الواقع في الجنوب سيكون تابعاً للسياسة . ففي السابق تشكل مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة و ضم إليه الحزب الاشتراكي حتى يُبعد عن قضية الجنوب، ثم جاء اللقاء المشترك ليجعل قضية الحزب من قضية اللقاء المشترك المتعلقة بالانتخابات و التبادل السلمي للسلطة ... الخ . حيث كانوا يعتقدون بان مشاركة الحزب الاشتراكي في الانتخابات ستمنحهم الشرعية على الجنوب، و لم يدركوا بان مشاركة الحزب في الانتخابات إسقاطا لشرعية تمثيله للجنوب و تحويله إلى إطار سياسي شمالي غير معني بقضية الجنوب ، و هو ما حصل بالفعل . و خلال تلك الفتره بالغوا في الديمقراطية لهذا الهدف ، و قامت السلطة بإنشاء تنظيم القاعدة في الجنوب لنفس الهدف أيضا ، ثم أحداث صعده و حاليا ثورة الشباب ، و كلها تهدف إلى دفن القضية ألوطنيه الجنوبيه . صحيح ان ثورة الشباب هي تقليد لثورات الشباب العربية . و لكن لماذا تصدر اللقاء المشترك ثورة الشباب و حولها من قضية ثوره إلى قضية سلطه و معارضه خلافا لما جرى في تونس و مصر ، مع العلم بان اللقاء المشترك قد دعا إلى هبّه شعبيه و لم يستحب له احد ، و قام بأعتصامات امام مجلس النواب و لم يستحب له احد أيضا ؟؟؟ . و لماذا لم تستجب ثورة الشباب في الشمال للشروط الاربعه التي وضعناها لوحدة الشعار ؟؟؟ . ثم لماذا يقوم الجيش والأمن بأقتحام و قمع اعتصامات الحراك الوطني السلمي الجنوبي ويترك اعتصامات المنحدرين من الشمال في عدن الخاصة بإسقاط النظام ؟؟؟ . و لماذا كذلك ثورة الشباب في صنعاء تهدم خيمة المعتصمين الجنوبيين في صنعاء عندما رفعوا شعار قضية الجنوب ؟؟؟ . و الأكثر من ذلك لماذا يعتبرون إسقاط النظام حلاً لقضية الجنوب ، و يعتبرون سنين ما بعد الحرب سنين وحده ، و هي سنين احتلال بإمتياز إذا لم يكن الهدف من كل ذلك هو دفن قضية الجنوب ؟؟؟ .
ثانيا: لكون القاعدة العلمية للسياسة تقول بأن السياسة تابعه للواقع ، فان الواقع قد جعل السحر ينقلب على الساحر ، و جعل الأمور تتحول من أمور مفتعله لدفن قضية الجنوب ، إلى أمور جديّه لصالحها . فقد تحولت المبالغة في الديمقراطية إلى المطالبة بإسقاط النظام ، و تحول تنظيم القاعدة إلى تهديد لأمن البلاد ، و تحولت مشكلة صعده إلى مشكله مذهبيه ، و حاليا انقسمت القبيلة سياسياً و انقسم الجيش و الأحزاب و المجتمع في الشمال نتيجة لذلك . و الآن و بعد ان فشلت كل هذه المؤامرات على قضية الجنوب فقد أجبرهم الواقع على الاعتراف بوجودها , وأصبح الخلاف الآن حول نوعيتها و كيفية حلها و ليس حولها بالذات , و مع ذلك فأنهم مازالوا يحاولون دفنها عبر آليّة حلها . فهم الآن يحاولون جر الجنوبيين إلى المشاركة في حوار السلطة و المعارضة و تحويل القضية من قضية وحده سياسيه بين دولتين تم إسقاطها بالحرب إلى قضية سلطه و معارضه ، أي من قضية شمال و جنوب إلى قضية سلطه و معارضه مثلها مثل أي مشكله في الشمال . و الأهم من ذلك إنهم يدعون إلى حلها في إطار حوار وطني شامل ، و هي قضيه بين طرفين و ليست بين أكثر من طرفين ، هما : الشمال و الجنوب . و هناك من هو مستعجل من الجنوبيين لحلها بهذه الاليّه دون ان يدرك بأن مثل ذلك هو دفن أبدي لها . و لهذا فإننا نقول لأي جنوبي يشارك في حوار السلطة و المعارضة أو في حوار وطني شامل لحل قضية الجنوب ، بان يدرك انه بذلك يتنازل عن قراري مجلس الأمن الدولي المتخذين أثناء الحرب ، و يتنازل عن الهوية الجنوبيه ، و يرتكب خيانة تجاه قضية وطنه . صحيح ان كل الجنوبيين مخلصون لها ، و لكن السياسة لا تبنى على حُسن النوايا كما أسلفنا . و صحيح أيضا بأن كل الجنوبيين مخلصين لها و لكن الحراك الوطني السلمي الجنوبي الذي قدم أكثر من ألف شهيد حتىالآن ، و أكثر من ثلاثة آلاف جريح ، و آلاف من المعتقلين و المفقودين و المشردين هو الأكثر أخلاصا لها . فليس من مصلحة قضية الجنوب الوطنية ان تحل في زحمة قضايا الشمال السلطوية ، و إنما من مصلحتها الانتظار حتى يحل الشماليون مشاكلهم السلطوية و يكونوا واحداً ، و نحن واحد . حيث انه بدون ذلك يستحيل معرفة قضية الجنوب الوطنية و يستحيل حلها . و من يخالفني ذلك من الجنوبيين في الداخل أوالخارج ، عليه ان يحفظ هذه الكلمات للتاريخ ليرى ما إذا كان الواقع سيؤكدها أم لا.
ثالثا : ان هذا الانقسام الذي حصل في الشمال و الذي كانت بداياته مفتعله لدفن قضية الجنوب قد أوجد لوحتين سياسيتين ، هما : لوحة السلطة و لوحة المعارضة ، و بين اللوحتين ظلت تختفي قضية الجنوب منذ حرب 1994م حتى الآن . و لكن هذا الانقسام الآن سيؤدي إلى هزيمة طرف و انتصار الطرف الآخر . و في هذه الحالة ستتغير اللوحتان إلى لوحه سياسيه ..جديدة واحده لصالح قضية الجنوب ، و ستجعل من قضية الجنوب المخفية ان تظهر بمفردها امام العالم بأكثر وضوح . فقد ظل أصحاب السلطة و المعارضة يخفونها وراء مشاكلهم ، و ظلوا يقولون ليست هناك قضيه جنوبيه ، و إنما هناك قضية سلطه و معارضه . وفي عام 2007م وقعّوا على وثيقة تقول بان قضية الجنوب هي قضية حقوقية ,وبسبب هذه الوثيقة ظهر الحراك الوطني السلمي الجنوبي . و بعد ظهور الحراك قال اللقاء المشترك إن الشيطان تجاه قضية الجنوب يكمن في رأس الرئيس . و الآن و قد جاء وقت رحيل الرئيس ، فإننا بعد رحيله سنرى ما إذا كان الشيطان سيرحل معه ، أم ان الشيطان تجاه قضية الجنوب في رأس الجميع ، و انه سيتحول إلى الحكام الجدد ؟؟؟ . فإذا ما قبل الحكام الجدد الحل السوداني الذي طرحه الرئيس العطاس بضمانات دوليه ، فسوف نقتنع بان الشيطان تجاه قضية الجنوب هو بالفعل في رأس الرئيس علي عبدالله صالح بمفرده ، و إذا ما رفضوا ذلك فان العطاس و من معه من الجنوبيين سيقتنعون بما يقوله البيض ، و هو ان الشيطان تجاه قضية الجنوب في رأس الجميع . و في كلا الحالتين فان ذلك سيؤدي إلى وحدة الجنوبيين في الداخل و الخارج و في السلطة و المعارضة ، و هذا في حد ذاته يساوي الحل المستقبلي الأفضل لقضية الجنوب .
رابعا : ان اللوحة السياسية الجديدة القادمة تتطلب من الجنوبيين تكتيكاً سياسياً جديداً ، و خطاباً سياسياً جديداً ، و أسلوب عمل جديد . و هذا ما يجب التفكير به من الآن . و لابد من الإدراك باننا خلال الفتره الماضية قد نجحنا ميدانيا و لم ننجح تنظيميا و لا سياسيا و لا إعلاميا ، و انه لابد من مضاعفة الجهود خلال الفتره القادمة لجعل العمل التنظيمي و السياسي و الإعلامي موازيا للعمل الميداني داخليا و خارجيا . و لابد أيضا من البحث عن التمويل الدائم و الثابت و المنظم باعتبار ان المسألة المالية هي من حال دون وحدة الحراك ، إلى جانب التسابق على المناصب الوهمية . و هنا أود الأشاده بالموقف الايجابي للجنوبيين الموظفين في السلطة تجاه ما يبذلونه من جهود لوحدة الحراك ، و أتمنى عليهم الآن ان يتبنوا الحل السوداني لقضية وطنهم ، و ان يكونوا مع من يقبل هذا الحل من طرفي الصراع في صنعاء . و أتمنى أيضا على طرفي الصراع في صنعاء إذا ما كان صراعا جديا بان يحلاه بسلام و ليس بصدام ، لأن حله بالصدام سيؤدي إلى فوضى يصعب معها قيام دوله ، لا في الشمال و لا في الجنوب بكل تأكيد . أما الجنوبيون في الأحزاب و الذين ما زالوا يعملون فيها بإخلاص تحت وهم الحزبية و لم يدركوا بأنهم شقاه سياسيين لغيرهم ، فأننا نقول لهم ان كانوا مع قضية الجنوب ، بأن الحزبية في قضية الجنوب قد سقطت موضوعيا بحرب 1994م ، و ان قضية الجنوب قد أصبحت قضيه وطنيه تخص جميع الجنوبيين من السلاطين إلى المساكين ، و ان من تحزب فيها يكون قد خان ، لان الحزبية و الوطنيه لا يتفقان ، و إنما كلٍ منهما ناف موضوعيا للزاخر بالضرورة . و مع كل ذلك فأننا نطلب منهم إقناع الشماليين في أحزابهم بالوحدة فعلا لا قولا و سنكون معهم و تحت قيادتهم إذا ما اعترف الشماليون بأن هناك شمالاً و جنوباً و ان اليمن السياسي كانا يمنين بدولتين ، هما : اليمن الشمالية و اليمن الجنوبيه كما كان في الواقع و كما هو موثق في المنظمات الدولية ، و ان الوحدة بينهما هي وحده سياسيه بين دولتين و ليست وحده وطنيه بين أطراف من دوله واحده ، و ان الحرب قد أسقطت هذه الوحدة و حولتها إلى أسوأ من الاحتلال كما هو حاصل في الواقع منذ 1994م ، و إذا ما رفضوا ذلك فإننا ندعوهم إلى الاتفاق على برنامج سياسي من أربع نقاط ، أولها : الاتفاق على ان الوضع القائم في الجنوب منذ الحرب ليس وحده و إنما هو أسواء من الاحتلال البريطاني ، و ثانيها : الاتفاق على انه من حق شعب الجنوب ان يرفض هذا الوضع استنادا إلى قراري مجلس الأمن الدولي الداعيين إلى عدم فرض الوحدة بالقوة و هو ما يعني حق تقرير المصير لشعب الجنوب ، و ثالثها : الاتفاق على النضال السلمي بكافة أشكاله لتحقيق هذا الهدف ، و رابعها : الاتفاق على ان الأداة السياسية لهذا الهدف هي كافة القوى السياسية الجنوبيه المؤمنة بهذه النقاط في إطار جبهة وطنيه تسمى بجبهة الحراك الوطني السلمي الجنوبي و بصرف النظر عن انحداراتها الإجتماعيه و الحزبية . أما مفردات هذه النقاط الأربع فيمكن تقديمها للرأي العام الخارجي و الداخلي في وثيقة تكون مقنعه للعالم و محرجه لصنعاء و تسمح بالمرونة السياسية المطلوبه .
خامساً :ان من هو واثق من صحة و صواب رأيه لا يشغل نفسه بمن يعارضه ، لان الحياة اللاحقة ستقنع المعارضين خطأهم و ستجبرهم على العودة إليه . و في هذا الاتجاه فأنني على ثقة تامة من صحة و صواب رأينا ، و على ثقة تامة أيضا بأنه لن يكون إلا هو ، و ان الحياة اللاحقة ستجبر من يخالفه من الشماليين أو من الجنوبيين على العودة إليه بشكل حتمي . صحيح ان العالم مازال ينظر إلى الأمور من زاوية القوه و الضعف و ليس من زاوية الحق و الباطل ، و لكنني على يقين مطلق بان إرادة الله تتجسد في الحق و ضد الباطل ، و أنها لذلك أقوى من إرادة البشر ، و هي ما تسمى بالحتمية . فقد شاهدنا العالم كيف اهتم بقضية صعده ، و كيف اهتم بثورة الشباب التي تناضل منذ شهرين لإسقاط النظام ، و لم يهتم كثيرا بالحراك الوطني السلمي الجنوبي الذي يناضل من اجل وطن منذ عام 2007م . ولكنني على يقين تام بان قوة الحق التي نملكها ستجبر الجميع في آخر المطاف على تأييد قضيتنا وحلها . هذا و في الختام فأنني اطلب من الجميع بان يقرأوا مره ثانيه تعميمنا السابق الذي نزل في صحيفة الوسط بتاريخ 20/4/2011م العدد ( 332 ) تحت عنوان (( يا أبناء الجنوب اتحدوا )) و ان يدركوا تماما محتواه ، لأنه لن يكون الا هو بشكل حتمي .
29/4/2011م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق